تحدّث الباحث المختص في التسويق السياحي والإطار بمديرية السياحة والصناعة التقليدية، بورقلة محمد بن الحبيب، في تصريح خصّ به «الشعب» عن الأثر الاقتصادي لفيروس «كوفيد 19» على قطاع السياحة عموما وعلى موسم السياحة الصحراوية بشكل خاص، وحاول تقدير حجم الضرر الذي مسّ الوكالات السياحية في وقت تزامنت فيه الأزمة الصحية لوباء كورونا مع مرحلة خاصة في الجزائر، حيث كان يحضر لإقلاع حقيقي لقطاع السياحة في ظل الظرف السياسي الجديد وأمام المعطيات الاقتصادية العالمية والمحلية التي كان من المفترض أن تدفع إلى ديناميكية وحيوية خلق منتجات جديدة.
اعتبر الباحث محمد بن الحبيب أن الكثير من متعاملي القطاع السياحي كانوا يتطلعون إلى ما ستطلقه برامج الحكومة من أدوات مشجعة لقطاع السياحة، بل أنه أكثر من ذلك لأن الأزمة كانت أضرارها كبيرة على قطاع السياحة، حيث تتعلق الإجراءات الوقائية بهذه الأزمة بالتباعد والحجر الصحي، وهذا ما يناقض جوهر السياحة، حيث توقفت حركة السفر وتنقل الأشخاص وجمّد نشاط محطات النقل بمختلف أشكالها، وهو أحد أركان القطاع السياحي إلى جانب الإطعام والإيواء، ولهذا نجد أن قطاع السياحة هو المتضرر الأول عبر العالم جراء هذه الأزمة.
وأوضح بن الحبيب بخصوص ما تعلق بالسياحة الصحراوية ومدى تأثرها بأزمة كورونا (كوفيد 19)، أنه لابد من تقييم، نهاية الموسم الماضي، ويضاف إليها توقعات الموسم المقبل، حيث يكون قد سلم الموسم الماضي في معظمه من هذه الأزمة رغم تأثره بالظروف السياسية الخاصة التي عرفتها 2019.
ومن أجل تحديد حجم الآثار الاقتصادية للأزمة الصحية الناتجة عن وباء كوفيد 19 على السياحة الصحراوية، قال ذات الخبير أنه يجب معرفة طبيعة السياحة الصحراوية، أي من ما تعلق بسوق السياحة الصحراوية والإطار الزمني للموسم والذي يوضح أن أغلب رواد السياحة الصحراوية هم من السياحة الداخلية سواء تلك الحركة الموسمية للعطل ذات البعد الاجتماعي، أين تستغل الأسر الجزائرية عطل الخريف ورأس السنة في الشتاء، وكذا الربيع في نهاية الموسم، للتنقل لمناطق الجنوب وغالبا تكون في الواحات وشمال الصحراء والتي ترافقها أيضا وجهات تتعلق بالحمامات المعدنية والمقاصد العلاجية على غرار زلفانة بولاية غرداية وبسكرة، بالإضافة إلى تلك الأنشطة المرتبطة بالمواسم الثقافية والدينية كزيارات الزاويا، وتزداد أهمية السياحة الصحراوية في تلك الرحلات الملحوظة للجنوب الكبير التي تستقطب السياح من داخل الوطن وخارجه من الطاسيلي إلى جبال الهقار بإيليزي وتمنراست.
وأوضح الباحث محمد بن الحبيب أنه وإن كنا ندرك أن هذه الوجهات السياحية، لم تكن تحقق العائد الحقيقي لها سياحيا، إلا أنه على الرغم من ذلك فإنها كانت تشهد ولسنوات نوعا من الحركية كانت تسمح باعتبارها أرضية انطلاقة حقيقية للقطاع السياحي في الجزائر، بمجرد تحقيق جدية ملموسة تعطي الأولوية للسياحة في الاقتصاد الجزائري، مضيفا أن هذا الاستعراض لأهم المقاصد السياحية الصحراوية يمكننا من معرفة كيف أنه بالإضافة إلى الغلق الدولي على حركة السياحة فإن انتشار الفيروس في معظم الولايات الجزائرية، وما ترتب عليه من إجراءات الوقاية داخل وبين المدن الجزائرية، أثر بشكل تام على تنقل الأشخاص ومنه الإقبال السياحي، حيث أن الوكالات السياحية الناشطة وخاصة في الجنوب الكبير توقفت تماما برامجها الخاصة في مارس وأفريل بعد الغلق، ويتعلق الأمر هناك بالآلاف من السياح الجزائريين والأجانب ويمثل الأجانب نسبة 20٪ مقارنة مع الزوار المحليين، كما تشير إحصائيات سنوات سابقة.
وعن توقعات الموسم القادم، أشار المتحدث إلى أن مرحلة الغلق جاءت في نهاية الموسم 2019 /2020، حيث أن الموسم الخاص بالسياحة الصحراوية ينطلق في سبتمبر وأكتوبر في الخريف لينتهي في ماي وجوان من السنة الموالية بالنسبة لمعظم البرامج السياحية، ولهذا فإن التخوف الأكبر سيكون مرتبطا ببداية الموسم القادم الذي يكتنفه غموض كبير، خاصة بعد تسجيل عدد حالات أكبر في هذه الأيام، وإذا تواصلت إجراءات الحجر والغلق للموسم السياحي الصحراوي 2020 /2021 بإجراءات الغلق المشددة، فإن ذلك سوف يأتي بضرر كبير على المتعاملين في القطاع السياحي من الوكالات والفنادق والمخيمات ومقدمي خدمات النقل والإرشاد السياحي.
خسائر الوكالات السياحية فادحة
وتطرق محدثنا أيضا لنشاط الوكالات السياحية التي تعتمد السياحة في الاتجاهين الصحراوية والساحلية، حيث لا يمكن تجاوز الضرر المضاعف بالنسبة للتوقف التام للقدرة على توفير الخدمات المستوردة نحو الوجهات السياحية الخارجية كحجوزات الطيران والفنادق، وكذا الرحلات المنظمة نحو المقاصد المفضلة للجزائريين، لكن الأهم هو موسم رمضان الذي كان يعتبر للوكالات السياحية سوقا هاما في السنوات الأخيرة وأصبح يحقق تنوعا هاما في محفظة نشاطات الوكالات السياحية في الجزائر بما فيها الوكالات السياحية في الولايات الصحراوية، بحسب تأكيده، وهذا زاد من حجم الضرر، بالإضافة إلى توقف الموسم السياحي المبكر في فصل الربيع، بالنسبة للسياحة الداخلية.
وأضاف الباحث، موضحا أن حجم الخسائر التي تكبدها مختلف المتعاملين الاقتصاديين في القطاع السياحي كبير جدا ولا يمكن أن نقارنه بأي قطاع آخر، ويتعلق الأمر بأركان السياحة الثلاثة: النقل والإيواء والإطعام وتليها الخدمات التكميلية الأخرى، حيث أن المؤسسات السياحية تعتمد العنصر البشري بالدرجة الأولى في إنتاج خدماتها، وهنا كانت الصعوبات شديدة جدا تلك التي واجهتها جراء التوقف التام بسبب إجراءات الوقاية من انتشار الوباء، حيث يمكن الحديث هنا عن مئات الوظائف التي تعرضت للوقف والتوقيف المؤقت ورغم أن الدولة تكفلت ببعض التعويضات للأجراء في الوكالات السياحية على سبيل المثال، ولكن مع امتداد الإجراءات لعدة أشهر 5 أشهر، فإن ذلك لن يجعل المؤسسات السياحية تصمد طويلا خاصة أن البعض أهمل الأخذ بعين الاعتبار تذبذب الموسم الماضي، نظرا للأحداث السياسية التي مرت بها الجزائر، ومن المؤكد أن ذلك كان له انعكاسا على النشاط السياحي عموما.
هذا فضلا عن أن انتشار فيروس كورونا قد عصف بتوقعات وآمال الوكالات السياحية ومختلف المتعاملين في قطاع السياحة لذلك فإن نشاط الوكالات السياحية بعد هذه الأزمة قد يشهد تغيرات كبيرة سواء في بقاء البعض في النشاط السياحي وخروج البعض من القطاع نظرا لحجم الأضرار الكبيرة.