إن التطوّر الهائل للتكنولوجيات الحديثة ساهم بشكل كبير في تعزيز حماية حقوق الإنسان وضمان الحريات الفردية والجماعية. فالشفافية المتولّدة عن هذا التطوّر، قلّصت مساحات التعسّف وانتهاك الحقوق والتصرفات من هذا النوع أصبحت مكشوفة ويمكن أن يطلع عليها الرأي العام بسرعة البرق عبر وسائط التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. وكم من عمليات تعذيب أو اعتداء أخرجها فيديو صغير لهاتف من الدهاليز والحفر وأصبحت محل تحقيقات انتهت بإدانة المعتدين وإنصاف الضحايا، بل أخذ البعض منها بعدا دوليا وأصبح قضية رأي عام عالمي وتم توظيفه سياسيا من أجل ممارسة الضغوط على دول وحكومات باسم حماية حقوق الإنسان والتدخّل الإنساني وغيرهما من الشعارات الجميلة والطنّانة وماهي، في حقيقة الأمر، إلا «حق أريد به باطل»؟
إن الكثير من الدول الغربية رفعت شعار حقوق الإنسان، الأقليات والتدخل الإنساني وغيرها من الشعارات التي أصبحت تتردّد بشكل واسع وصنعت قوالب موّحدة لهذه المفاهيم التي تريد قلة في هذا العالم فرضها على سكان الأرض من أجل القضاء على كل الخصوصيات والاختلافات وجعل البشر، أينما كانوا، في هذا يفكّرون، يستهلكون بنفس الطريقة ولديهم نفس القناعات والتصرّفات؟!.
لقد أصبحت بعض الدول ترى في حقوق الإنسان بطاقة حمراء ترفعها في وجه دول وحكومات صنّفتها في خانة منتهكي حقوق الإنسان، وفق معاييرها طبعا. وترى أن ما لا يتطابق معها يكون قد انتهك حقوق الإنسان؟ والأدهى من ذلك، أنها تسمح لنفسها بارتكاب تصرّفات، بينما تطالب الآخرين بالكف عنها، مثل الضغط على بعض الدّول من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، على اعتبار أنّها اعتداء على حقوق الإنسان، بينما بعض هذه الدول نفسها تنفّذها في جرائم القتل العمد من أجل ردع من تسوّل له نفسه القيام بذلك؟ بينما تريد أن تغرق دولا أخرى في دوامة الفوضى والتسيّب تحت مسمى حقوق الإنسان والحريات وهذا رغم أن حقوق الإنسان هي قيم عالمية نبيلة وليس معايير مفروضة على مزاج البعض؟
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.