ما حدث في مالي من انقلاب على السلطة، لا يمكن أن يمر دون قراءة دقيقة للحالة السوسيو-اجتماعية لشعوب دول الساحل عموما وشعب مالي على وجه الخصوص. فشعوب المنطقة باتت على مقربة من نفض غبار الوصاية ومواجهة أزلام فرنسا.
قد يقول قائل إنني أؤيد الانقلابات العسكرية بدافع إنهاء الوصاية الاستعمارية، لكن لا وأبدا، فمهما يكن فطريق التمرد العسكري يبقى مسدودا ونهاياته أصعب من بداياته، حسب فقهاء السياسة.
ما وقع في مالي يوم 18 أوت لم يكن انقلابا عسكريا شبيها بالانقلابات التي عرفتها مالي سابقا وكان آخرها عام 2012، لأن بصمات إنهاء الوصاية الفرنسية بدت ملامحها منذ إعلان انتخاب أبوبكر كيتا لعهدة رئاسية ثانية، وما تلاها من مظاهرات شعبية رافضة لولاء سلطة كايتا لقصر «الإليزيه»، ضمن رسائل واضحة للمجتمع الدولي أن عهد الوصاية قد ولّى، ولا يمكن إلا الاستجابة لإرادة الشعوب التي لا تقهر.
إرادة الشعب المالي عبّرت عنها أحزاب المعارضة ذات الغالبية الشعبية وأكدت أن فصل الشعب عن هويته أمر ليس بالهين، وهو نهج تسلكه قوى غربية في منطقة الساحل تحت ذريعة محاربة الإرهاب والجماعات الإسلامية المتشددة.
شعوب دول الساحل آمنة ومسالمة والتاريخ أثبت ذلك، لكن محاولات قوى الاستعمار السابقة الهيمنة على ثرواتها جعلها تنتفض ضد سياسات الفساد والاستبداد.
السؤال المطروح، والذي يحتاج إجابات، ما هو الدور الجزائري في الملف المالي وكيف ستتعامل الجزائر مع الانقلابيين الرافضين لعودة النظام الدستوري، مع تغير جوهري في الدبلوماسية الجزائرية، بعد إنهاء «دبلوماسية الوصاية» التي انتهجها النظام السابق وعمرت عقدين من الزمن؟
ما لا يختلف عليه إثنان، ويعترف به العدو قبل الصديق، أن الدولة الجزائرية بمكانتها التاريخية لن تتوانى في الوقوف مع الشعب المالي الشقيق، وهو ما أكدته زيارة وزير الخارجية صبري بوقدوم إلى باماكو، مؤخرا، بناء على حسن الجوار كعقيدة راسخة لدى الدبلوماسية الجزائرية.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.