عالم اليوم عالم مضطرب، الثّابت الوحيد فيه أنّه لا شيء ثابت. الأحادية القطبية انتهت، وواشنطن اعترفت بذلك ولو بطريقة غير مباشرة، القوى الجديدة تزداد قوّة والقوى القديمة تزداد تأزّما.
قد يكون من السّابق لأوانه تقدير طبيعة الآثار، التي ستخلّفها أزمة
«كوفيد-19» على اقتصاديات الكثير من الدول الكبرى، والآثار التي ستخلّفها على موازين القوّة الاقتصادية في العالم، والكثير من التّحليلات والتّقديرات ترى أنّ الصين ستكون الرّابح الأكبر، غير أنّ الأمر لا يمكن أن يكون حاسما وبشكل نهائي.
لقد عاشت الرّأسمالية أزمات متعدّدة وخانقة منذ 2008، وتزداد أزماتها حدّة، وهو ما جعل بعض الكتابات تذهب حد الحديث عن نهاية محتومة لهيمنة الرّأسمالية الغربية، والانتقال التّدريجي للنّفوذ والقوّة لمجموعة «البريكس».
إنّ الملامح الكبرى للاضطرابات تزداد تعبيرا عن نفسها مع مرور الأيام، والأمر سابق لجائحة «كوفيد-19»، ونرى الملامح الأبرز مثلا في اتخاذ إدارة الرّئيس ترامب لقرارات حمائية متعدّدة، وهو ما فسّره الكثير من الخبراء، على أنّه تراجع للقدرة التنافسية للاقتصاد الأمريكي، واختلال للميزان التجاري بشكل صار مهدّدا للمصالح الأمريكية، ولكنه أمر وتقدير رفضه آخرون واعتبروه ذرائع واهية.
كتابات كثيرة تناولت التّحوّلات التي قد يعرفها العالم. دومنيك مويزي، وهو مختص في القضايا الجيو-سياسية، يرى مثلا أنّ أزمة «كوفيد-19»، كانت «مسرّعا للتّاريخ على ثلاثة أصعدة، فهي أكّدت أولا زيادة قوة آسيا بشكل مضطرد، وأكّدت أيضا تراجع قوة الولايات المتحدة، وتعاظم قوة ألمانيا في أوروبا». واعتبر مويزي أنّ هذه الملامح هي مؤشّرات للعالم عام 2030.
إنّ الاهتمام بمثل هذه التحولات أمر غاية في الأهمية، ويحتاج متّخذ القرار وكل الذين يشاركون في الإعداد للقرار وبدائل الحلول الكثير من الإضاءات المعرفية والنظرية والإستراتيجية حتى تقوم رؤاهم على ما أمكن من المعطيات وما أمكن من التقديرات.
مثلا ما أثر سياسات الإدارة الأمريكية الحمائية على منظمة التجارة العالمية وعلى طبيعة العلاقات التجارية وقواعدها؟ وكيف يمكن فهم حجم التحولات في موازين القوى الإستراتيجية على منطقتنا وغير ذلك من القضايا والإشكاليات؟
مراكز البحث، في مختلف التّخصّصات، ووسائل الإعلام يمكنها القيام بأدوار متكاملة في هذا المجال، كما أنّ الاستعانة بالخبرات الأجنبية في هذا المجال له أهميته ومساهمته..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.