الشعب صاحب السيادة مبدأ ثابت وأكيد في كل الدساتير. ولكن عمليا لا يمكن تصور أن الأمر يتم عبر مؤتمر شعبي عام، على شاكلة ديمقراطية أثينا في الأزمان الغابرة. ولهذا فإن حركة الشعوب ترشّدها النخب. الحراك الشعبي وضع معالم طريق ينبغي السير على هديها ووضع مطالب ينبغي تلبيتها، وترك أمر آليات تحقيق تلك الغايات لـ»النخب» الحاكمة وغير الحاكمة.
طبعا الكل يعلم أن هناك مشكل بل إشكالية في العلاقة بين النخب والمواطنين، مرّة بسبب ممارسات سلطوية فضّلت تدمير هذه العلاقة، ومرّات بسبب الإقصاء والتهميش في نظام ولاء استفحل كثيرا فعمّم الرداءة وأرغم الكثير من النخب على الانصراف والانكفاء.
لهذا فإن إعادة بناء النخبة مهمة عاجلة. أولا لأن الحراك وما سيأتي بعده سيكون مختلفا، فالظاهرة الاجتماعية تفرز لها بالضرورة نخبتها، فالحركة الوطنية كانت لها نخبتها والثورة كانت لها نخبتها والاستقلال كان له نخبته والأزمة كانت لها نخبتها. المفترض منطقيا أن المرحلة الجديدة تنتج لها نخبتها، والأمر غير متصل بالضرورة بقطيعة حادة، بل بانتقال طبيعي ينبغي أن يتم في كنف استمرار الدولة واستقرارها. وثانيا لأن ترقية نوعية النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الحكومية وغير الحكومية، ضرورة إستراتيجية، لأنه ينبغي الارتقاء بالمؤسسات وأدائها ولأنه ينبغي معالجة إشكاليات بالغة التعقيد أحيانا كثيرة وهي تتطلب الذكاء وتجنيد ما أمكن من الذكاء وتتطلب بالخصوص الكثير من الروح الوطنية والكثير من النضالية والكثير من نكران الذات.
إن تراجع عائدات المحروقات وما يطرحه الوضع الدولي من تعقيدات جديدة، في منطقتنا الكبيرة وعلى المستوى الدولي، لاسيما بعد أزمة الكوفيد19، يحتّم جبهة داخلية قوية ومتماسكة، ويحتّم دولة قوية متصالحة مع كل فئاتها الاجتماعية، عادلة في توزيع أعباء الأزمة وعادلة في توزيع الثروة المتوفرة، ويحتم بالخصوص التشمير على السواعد من أجل ترقية مردودية كل مصانعنا ومزارعنا وجامعاتنا. ومواجهة كل هذه التحديات في حاجة أكيدة قبل كل شيء لـ: الكفاءة الكفاءة والوطنية الوطنية.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.