بكل عقلانية يمليها الطرح السياسي العميق القارئ لتجليات الوضع السياسي الراهن فانه يجب الانتباه إلى أن جزءا هاما من حالة الاحتقان وتباين المواقف والاتجاهات ازاء المسار الذي يتصل بمناقشة مسودة جديدة للدستور راجع في نظري إلى غياب خطاب للتاطير وان بدا يتحرك عن طريق فواعل جمعوية واحزاب ولعل الاهم ان يرتكز الاداء على طلب “التوافق الوطني العميق ” وهذا الخطاب في ابعاده السياسية يجب ان تسوق له واجهة رسمية وسياسية مقنعة من الوجوه الجديدة لكفاءات وطنية لها مصداقية في المجتمع وقدرات عالية على الاقناع وممارسة الاعباء الاكثر تعقيدا في الظرف الراهن وقد اضحى من الضروري الانتباه إلى واجهة الاداء الرسمي التي يجب ان تكون مقنعة قادرة على استقطاب مختلف القوى الفاعلة سياسيا ومجتمعيا في الساحة الوطنية واعتقد ان اسلوب تمرير المشاريع دون الارتكاز على نقاشات وطنية راقية عميقة خاصة على مستويات محلية وضمن المنابر الاكثر تاثيرا قد يجعل من فرص الاستقطاب ضئيلة
بناء سياسي جديد وعميق …
يجب الانتباه ان غياب ما يسمى بالمنابر السياسية المرجعية في البلاد سببه الضرر القوي الذي وقع على الحياة السياسية والمؤسساتية اذ ساهمت الممارسات الغير اخلاقية والتي نشرت رداءة في الممارسة في تقزيم العمل السياسي وجعله نشاطا مميعا يمارسه الدخلاء ورجال المال المشبوه فسقطت السياسة في الجزائر في وحل الرداءة والسطحية ووقع ضرر قوي وخطير على منابر التمثيل السياسي الموجودة على المستوى المحلي فلم نعد نملك تبعا لهذه التراكمات التي شجعتها سياسيات رسمية لنظام سابق خطابا للتاطير ولذا فنحن في حاجة ماسة لبناء جديد على مستوى الحياة السياسية التي اصابتها ثقافة التمييع وحاصرها المال المشبوه كما تم ان الغاء دور النخب في صياغة المشهد السياسي جعل من من هب ودب منتخبا محليا ووطنيا وهذا امر اضر بالدولة وبمؤسساتها التي تشكل الكيان المؤسساتي للدولة ويوزن على اساسها اي مسار سياسي وهذا البناء الجديد الذي نحتاجه في العملية السياسية يبدأ بإعادة النظر في قانون الانتخابات يجب ان يتيح لواجهة سياسية من الطاقات الشابة الفعالة التواجد في مؤسسات الدولة المنتخبة وبناء مصداقية لمؤسسات الدولة التي فقدت ثقة الشعب ولكن يحتاج الامر ايضا إلى تعديلات عميقة وواسعة تسمح بتحقيق توازنات هامة داخل الدولة ثم يرتكز هذا البناء السياسي الجديد على تعزيز قوة المؤسسات المنتخبة وجعلها منابر قادرة على النقد وتصويب الاداء واثراء السياسات واخلقة العملية السياسية ضمان الشفافية في العملية الانتخابية واحترام اعراف الديمقراطية الحقيقية .
اخلقة العمل السياسي ضرورة ملحة
تحتاج المرحلة الراهنة التي شهدت انتخاب رئيس للجمهورية عبد المجيد تبون وإطلاق مسار لمناقشة الدستور بما فرضه المعطى الصحي الدولي من تغيير في رزنامة تدابير ومسارات جديدة إلى خريطة سياسية جديدة تستهدف ثقة الشعب في مؤسسات الدولة وفي قيادته السياسية الجديدة كما ان التيار السياسي الوسطي الذي يستوعب جميع القناعات السياسية ويؤسس لتوافق وتوزان هام في الساحة السياسية تمثيلا وخطابا هو بمثابة خط ناظم للمواقف والرؤى بل انه تيار سياسي يبني ادائه ورؤيته ازاء الوضع السياسي ليكون تيارا للتوافق في الكثير من قضايا المجتمع السياسي التي تطرح وتحال إلى التناول العام فالتيارات الوسطية تبني خطا يقوي ثقافة الدولة ويعزز من التوافق والانسجام الوطني بل تساهم هذه المنابر التي تبنيها نخب سياسية قادرة على الاقناع والتاثير مشهدا سياسيا راقيا يعزز من الثقافة الديمقراطية ويجعلها من اهم ركائز العمل السياسي لذا فانا ارى ان نقص هذه المنابر السياسية في مشهدنا الوطني سياسيا ساهم في احداث فراغ واضح في الساحة السياسية وساهم في اغلاق اللعبة السياسية وجعلها بين طرفين لسنوات طويلة ” موالاة .معارضة ” رغم ان المسميات هذه لم يكن لها في الواقع الا وجود نسبي لايعبر فعلا عن المضمون والكيان والتقاليد التي يجب ان تكون فالحياة السياسية والمؤسساتية في البلاد كانت مصابة على مدار ثلاثين سنة كاملة بحالة “تصحر وفراغ قاتل
كما ان اخلقة العمل السياسي والانتباه ان الضرر الذي طال منابر التمثيل الشعبي يتطلب فعلا اعادة اخلقة العمل السياسي وجعله نشاطا قابلا للقياس من حيث قيمه ومبادئه وتقاليد الممارسة التي يمتاز بها ثم ان اخلقة العمل السياسي تتطلب ايضا جعل العمل الحزبي في اي منبر سياسي قائما على مواثيق اخلاقية تؤطر الفعل السياسي ولا تجعله يقفز على مصالح الدولة والمجتمع فلا يمكن ان يقود اي خطاب فئوي المجتمع داخل الدولة بل ان العقد السياسي الجامع الملزم لكل البنى السياسية كفيل ببناء سليم للدولة والتوافق على خياراتها الوطنية وهذا ما نحتاجه خلال هذه المرحلة السياسية الهامة والتي تتطلب خطابا سياسيا لقيادة تخاطب للتوافق وتسير ضمن ثقافة جامعة .
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.