تسابق عاصمة الغرب الجزائري، وهران، الزمن لتقوية جاذبيتها وتعزيز موقعها على خارطة السياحة، وفقا لخصائصها وإمكانياتها الفريدة، علاوة على المكانة الهامة التي تتمتّع بها بمكوناتها الثقافية والحضارية وموقعها الجغرافي الإستراتيجي كمركز هام للأعمال والاقتصاد.
أضحت وهران في السنوات الأخيرة تستقطب أعدادا مهمّة من السياح الراغبين في اكتشاف هذه المدينة الفريدة، التي تعكس من شمالها إلى جنوبها التنوع الحضاري وعراقة تاريخها الضارب في القدم، وأكثر ما تتميز به شواطئها الرملية ومناظرها الفريدة من نوعها.
فضلا عن ذلك، تتميز «الباهية» بموقع استراتيجي مميز، حيث أنّها مطلّة على خليج وهران في غرب البحر الأبيض المتوسط، وقد ظلت المدينة منذ عقود عديدة ولا تزال مركزا اقتصاديا وميناءً بحريًا هامًا، وهو ما يجعلها وجهة مثالية مفضلة لعشاق السياحة والسفر.
كما تشهد المدينة نهضة عمرانية كبيرة، تتجلى واضحة في الأقطاب السكانية الجديدة ومشاريع تهيئة وتوسعة مطارها الدولي أحمد بن بلة بمواصفات دولية، ناهيك عن إنجاز محطات جديدة لنقل المسافرين عبر الحافلات وسيارات الأجرة، ومواصلة إنجاز الفنادق الفخمة والهياكل السياحية الكبرى المنتشرة في مناطقها الإستراتيجية.
25 مليون سائح في 2021
أكّد المدير الولائي للسياحة والصناعات التقليدية، بلعباس قايم بن عمر، أنّ الولاية تطمح لتخطي عتبة 25 مليون سائح في صائفة 2021، مرتكزة في طموحها على تطوير السياحة الداخلية وتعزيز صورتها السياحية في الوطن العربي وفي أنحاء العالم، بالنظر للديناميكية الكبيرة التي يشهدها القطاع بهدف التنويع في المنتوج السياحي، وخاصة الاستثمار الفندقي.
قال بلعباس في تصريح لـ «الشعب ويكاند»، أنّ «هذه المرحلة الحساسة مع استمرار جائحة كوفيد 19، وتأثيرها البالغ على القطاع جعلتنا جميعا نراهن على السياحة الداخلية في إنعاش الحركة السياحية، لاسيما وأنّ وهران استقبلت نحو 4 ملايين و367 ألف مصطاف من مختلف أنحاء الوطن، توافدوا على شواطئها 34 المسموحة للسباحة خلال الفترة من 15 إلى 31 أوت، فيما استقبلت في السنة المنصرمة زهاء 21 مليون و920 ألف مصطاف طيلة موسم الإصطياف.
واستنادا إلى المصدر، عرف القطاع الفندقي بالولاية حركية غير مسبوقة، ابتداء من 15 أوت المنصرم، تاريخ الرفع التدريجي للحجر الصحي والفتح التدريجي للشواطئ المسموحة للسياحة لسنة 2020، ووضع حيز الخدمة البرتوكول الصحي الخاص بالأنشطة السياحية والفندقية الاصطياف.
تراجع في رقم الأعمال بـ 75 %
أكّد محدّثنا أن نسبة شغل الفنادق فاق 90 بالمائة على مستوى الشريط الساحلي، ولاسيما دائرة عين الترك التي تتربع على زهاء 70 مؤسسة فندقية، وذلك بعد نحو ستة أشهر من الركود على خلفية الأزمة الصحية، وكانت أكثرها تأثيرا على رقم الأعمال الخاص بالمؤسسات الفندقية ووكالات السياحة والأسفار، والذي تراجع بنسبة تفوق 75 بالمائة، وكذلك بالنسبة للمطاعم والدليل السياحي على مستوى الولاية.
منحة التضامن لـ 5395 عامل
أوضح المسؤول في رد على سؤال حول المستفيدين من منحة التضامن التي أقرّها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، لفائدة المتضررين من آثار جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، أنّ «الوصاية أحصت قرابة 5395 عامل في القطاع السياحي بالولاية الذي تضرر كغيره من القطاعات بسبب جائحة كورونا خلال الفترة الممتدة من شهر مارس إلى أوت».
وأوضح نفس المصدر أن «المنحة المقدرة بـ 30 أف دج للشخص الواحد، وزّعت عبر ثلاث أشطر، واستفاد منها أرباب العائلات الموظفين على مستوى المؤسسات الفندقية ووكالات السياحة والأسفار والمطاعم السياحية والحرفيين».
عمليات مراقبة وتفتيش حفاظا على الصحة
بخصوص عمليات المراقبة والتفتيش، كشف محدثنا عن 172 عملية نفّذها مفتشو السياحة بالولاية إلى غاية 31 أوت، ومسّت المؤسسات الفندقية وكالات السياحة والأسفار، وكذلك الشواطئ المسموحة للسباحة، منوها أنها اقتصرت في البداية على التحضيرات الخاصة بموسم الاصطياف لسنة 2020، ناهيك عن رفع التحفظات المسجلة من طرف اللجنة الولائية المكلفة بعملية تصنيف المؤسسات الفندقية، كذلك معاينة الوكلات السياحية التي هي قيد الإنشاء.
وتنفيذا لتوجيهات السلطات الولائية من أجل العودة التدريجية للحياة العادية للمواطن والاستئناف التدريجي للنشاطات الاقتصادية والتجارية، برمجت ذات المصالح بداية من 29 أوت المنصرم خرجات ميدانية لتفتيش ومعاينة المؤسسات الفندقية وكذا مراقبة الشواطئ المسموحة للسباحة، بهدف التأكد من مدى احترام قواعد الصحة للحد من انتشار فيروس كورونا كوفيد-19، محافظة على صحة المواطنين والسياح.
استراتيجية جديدة للتسويق
في الوقت الذي تراهن فيه الولاية على منتوج السياحة الداخلية وتطوير الخدمات المقدمة، يرى عدد من الفاعلين، أن الأمر يقتضي إعادة النظر في الأسعار المرتفعة، وتجنّد وكالات السياحة والأسفار ومختلف الجهات الفاعلة في المجال لإنجاح هذا المسعى.
وهنا أكّد محدّثنا أن جهود هامة تبذل على مستوى الولاية في مجال التسويق السياحي من خلال رفع عدد المرشدين السياحيين، بالإضافة إلى صدور الدليل السياحي والخريطة السياحية وفتح مقر الديوان المحلي للسياحة وانطلاق الحافلة التي تم تجوب كل المعالم السياحية والثقافية بالولاية، بالتنسيق مع الديوان الوطني الجزائري للسياحة «أونات».
وأوضح بلعباس، أنّ كل هذه العمليات تندرج في إطار التسويق والاتصال السياحي، وهذا تحضيرا لألعاب البحر الأبيض المتوسط في سنة 2022، مبرزا في هذا الصدد أيضا الدور الفعّال الذي تلعبه الوكالات السياحية بالولاية في إنعاش المنتج اﻟﺴﻴاحي في الجزائر، مع العلم أن عدد وكالات السياحة والأسفار ارتفعت من 62 وكالة في 2014 إلى 250 وكالة حاليا، منها 55 فرع وكالة سياحية وأسفار.
وعلى ضوء ذلك، أكّد المسؤول الأول على القطاع بالولاية أنّ هناك مساعي جادّة لتحسيس وكالات السياحة والأسفار بضرورة تعزيز تسويق وجهة وهران، كقطب سياحي بامتياز، نظرا لما تزخر به من أنماط سياحية متنوعة، مع التركيز على تطوير السياحة الداخلية وتركيب منتوجات سياحية محلية محضة، وفق مقاربة تشاركية تعرف إشراك المهنيين في تنمية السياحة ووضع تصور لترويج ما تزخر به الباهية لدى السائح الأجنبي.
كما ألحّ على أهمية تشجيع الجمعيات المهنية السياحية في المساهمة الجادّة في تطوير القطاع السياحي، تطبيقا لتعليمات السلطات العليا للبلاد في مجال تشجيع إنشاء الجمعيات، مبرزا في سياق متّصل أنّ مصالح مديرية السياحة، باشرت في هذه العملية عن طريق تشجيع وتحسيس فئة الشباب الناشطين في مجال السياحة، الفندقة والصناعات التقليدية، قصد إنشاء جمعيات بلدية وأخرى ولائية، حيث بلغ عدد الجمعيات الفاعلة في المجال 30 جمعية ولائية ووطنية، وفق ما أشير إيه.
توزيع عادل للمؤسّسات الفندفية
حسب الأرقام الموقوفة إلى غاية 31 أوت المنصرم، تتربّع وهران على 26 مطعما مصنّفا، وتقدّر حظيرتها الفندقية بـ 179 مؤسسة فندقية، بينها 82 فندقا مصنفا، فيما تقدر طاقة الإيواء الإجمالية 9.030 غرفة و17.564 سرير وعدد مناصب العمل بـ 4119 منصب مباشر، فيما قدرت طاقة إيواء مراكز العطل خلال موسم الاصطياف الحالي 1430 وطاقة إيواء المخيمات الصيفية 980.
وتتوزّع هذه النزل والوحدات الفندقية، استنادا إلى نفس التوضيحات في مختلف أنحاء الولاية، وذلك في إطار الإستراتيجية المضبوطة بالولاية والهادفة إلى ضمان توزيع عادل وشامل للمؤسسات الفندقية عبر تراب 26 بلدية مشكّلة لوهران، لاسيما وأنّ البلدية الأم تتربع لوحدها على 100 مؤسسة فندقية، تليها دائرة عين الترك الساحلية بـ 57 فندقا موزعا عبر بلديات عين الترك والعنصر وبوسفر، فيما تحصي أرزيو 09 فنادق، بئر الجير 07 فنادق، دائرة السانية 07 فنادق تتواجد ببلدية السانية والكرمة، وتأتي دائرة بطيوة التي تعتبر من أهم وأغنى دوائر الجزائر في ذيل الترتيب بفندق واحد يتواجد بمرسى الحجاج.
وفي سياق متصل، كشف المدير الولائي للسياحة عن استلام 30 مؤسسة فندقية دخلت حيز الاستغلال خلال السنة الجارية على مستوى بلديتي وهران وأرزيو، وذلك بقدرة استيعاب تناهز 1382 سرير، مع إحداث 400 منصب عمل مباشر، فيما تحصي الولاية 204 مشروع بطاقة إيواء تقدر بـ 31660 سرير، ومن المتوقع أن تخلق 10754 منصب عمل مباشر جديد، منوها أيضا إلى الحركية التي يشهدها الاستثمار في النشاطات الشبه السياحية.
وتعد ولاية وهران ثمانية «08» مناطق للتوسع السياحي، بعد إلغاء تصنيف منطقة التوسع السياحي «رأس كاربون» المتواجدة على مستوى بلدية أرزيو، لعدة أسباب، أبرزها الطابع الغابي وطغيان الطابع التعميري، وفق نفس المصدر.
وأكّد أنّ دراسة مخطط التهيئة السياحية بمناطق التوسع السياحي الأخرى انتهت تماما، وتمت المصادقة عليها بمداولات على مستوى البلديات الموجودة على مستواها، وذلك في انتظار صدور القرار الوزاري الذي يتضمن المصادقة النهائية على مخططات التوسع السياحي لولاية وهران، يضيف محدثنا بأنّ «كل هذه المشاريع الهام بإمكانها التنويع وتطوير الخدمات الفندقية، وبالتالي ارتفاع العرض وانخفاض الأسعار».
وفي ضوء هذه الإنجازات الهامة، والتي يعزّزها ما نراه من مؤشرات إيجابية، تبقى الأنظار مشدودة إلى عاصمة الغرب الجزائري، وهران، التي تستعد على قدم وساق لاحتضان دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط 2022، وسط مساعٍ حثيثة لتطوير الحركة السياحية بالولاية، نظرا لما تتوفر عليه من إمكانيات هائلة، تؤهلها لتبوء مكانة هامة بخارطة السياحة العالمية.