عندما تقبضُ البحرية التونسية على أريتيري يحاول العبور إلى إيطاليا «حراقا» بين مهاجرين سريّين من تونس وغيرها من بلدان شمال إفريقيا، فاعلم أن نهاية «الحرقة» ليست غدا..
هذا ما تقوله آخر الأخبار عن «الحرقة» في تونس، وهي أخبار تُشبه تلك التي تُصدّرها مستغانم وعنابة وبني صاف، والشلف وغيرها من محطات بث «الآمال الخادعة» في رؤوس من يعتقدون في «روما ولا انتوما»، و»في بريطانيا ملكة لا يظلم عندها أحد»، وحتى بـ»قطف الطماطم في إسبانيا»..
ما دوافع هذه الهجرات السرية، التي تتوالى، بعد انحسار، وتتضاعف بعد انكماش؟
فشل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، انتشار البطالة، انهيار قيمة الدينار، التسويق الإعلامي للغرب، فشل في حل المشاكل الاجتماعية، تضعضُع القدرة الشرائية، موجة الخطاب التشاؤمي، غياب ثقافة الاستماع وغياب الحوار مع الشباب.
قد تكون هذه الأسباب والمسببات، منفردة أو مجتمعة، وراء دفع شباب اليوم نحو «خيار» الهجرة، ومجابهة البحر، على أمل الوصول إلى «الجنة الموعودة» في أوروبا. وقد تكون اللحظة الفارقة في قرار «الحرقة» قطرة يأس إضافية في كأس الحرمان، الذي يكبُر في غفلة منّا، كآباء وأولياء ومسؤولين، دون أن نفكّك محتوياته، ونتفادى مفاجآته، بالدراسة والفهم والتحليل، وإيجاد ما ينفع من الحلول القَبْلية الاستباقية، لا تسجيل ملاحظات على أطلال القراءات البَعدية..
ما قيل حتى الآن عن هذه الظاهرة، التي تتكرر بالألوان في القارات الخمس، يؤكد أن طموح الناس في تغيير الأجواء، وأملهم في تحسين ظروف المعيشة يبقى دافعا أقوى من كل النتائج التي توصّلت إليها دراسات ما قبل وما بعد «الحرقة»، في أوروبا، التي تحاول «وقف» الهجرة السرية إليها، بالضفة الجنوبية للمتوسط، التي تشكّل وحدها إزعاجا لبرلمان بروكسل الأوروبي، طالما أن هذه البوابة تفتح بابا آخر اسمه اللجوء بأنواعه..
وإذا استمرت الظاهرة بنفس الحدة، ستكون السنوات القادمة أكثر إيلاما وأكثر قسوة بالنسبة لهجرة سرية، لم تخرُج من معادلة، طرفاها يُمثلان خنثى مشكل، على رأي المرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم، طالما أنهما لم يلتقيا على رأي واحد وموقف واحد في هذه المسألة: مناطق الظل في الجنوب.. وغنى الشمال..