توسّعت دوائر النقاش بشأن مشروع تعديل الدستور، بدخول أهل الاختصاص على الخط وتقديمهم قراءة معمّقة حول الوثيقة، مبرزين مضامين نصوص تؤسس لحقبة سياسية ذات قوالب جديدة تخصّ أنظمة حكم تبنى على قاعدة التداول على السلطة وتجاوز احتكار القرار والتسيير الانفرادي لشؤون الجمهورية.
هذه الممارسة (احتكار القرار والتسيير الانفرادي لشؤون الجمهورية)، التي طبعت الحياة السياسية عبر مراحل وحقب سابقة، وحملت خصوصية وتمايزا، لا يُراد لها أن تتكرر في الظرف الراهن تجاوبا وروح التغيير والمطالب المرفوعة في مسيرات سلمية هتفت حناجرها بأعلى صوت بالقطيعة مع تجارب الماضي وإقامة جزائر قوية، متماسكة الجبهة الداخلية، متفتّحة على الرأي المعاكس، مستمعة، آخذة في الاعتبار كل مبادرة تعزّز البناء الوطني وتقوّي توازن المؤسسات.
من هنا تتضح الحاجة الملحّة لشرح موسع لمحاور تعديل الدستور، وتبرز مسؤولية تقديم قراءة معمّقة تمنح الدستور المرتقب قيمة ومصداقية باعتباره أولى الورشات في برنامج الرئيس عبد المجيد تبون للإصلاح السياسي الشامل وليس مجرد مشروع عابر. الوثيقة المعروضة للنقاش قبل الاستفتاء الشعبي، لها دلالتها السياسية، لأنّها تضمّنت مقترحات تعزّز دولة المؤسسات لا الأشخاص، تضع حدّا للمقولة المروّجة بالجزائر المستقلة « لكل حقبة دستورها».
الوثيقة المعروضة للإثراء، تؤسّس لجزائر أخرى يحكمها دستور توافقي، يحدّد طبيعة النظام السياسي، يربط الحقوق بالواجبات والحريات بالمسؤولية دون الإبقاء على حالة التهويل والمضاربة الكلامية والتمادي في فبركة الأخبار المغلوطة» فايك نيوز» تحت شعار حرية التعبير.
لهذا تتضح أهمية مداخلات العارفين بالشؤون القانونية وتبرز قيمة شروحاتهم ودلالتها في معادلة الإثراء استنادا إلى إرادة صادقة تكشف موطن القوة والخلل في الممارسة السياسية التي يكرّسها دستور يضع قواعد ثابتة حول أخلقة الحياة العامة ومحاربة الفساد الذي نخر المؤسسات، شلّ قدرات النهضة ونزع ثقة مواطن اعتبر سابقا مجرّد وعاء انتخابي يتفقد وقت الاقتراع فقط.
محاور التعديل تقدّم مقاربة بديلة ورؤية استشرافية لجزائر أخرى تتعزّز بدستور أجيال تحكمه بنود قانونية وآليات تحصّن البلاد من الطوارئ والأزمات وتحرّرها من الانتقالية الدائمة. من أجل ذلك، يُفهم لماذا النقاش حول تعديل الدستور يستدعي جدية أكبر تعطي إجابة صريحة على تساؤلات الراهن السياسي ولا تبقى على الإشكالية معلّقة ومؤجلة إلى إشعار آخر.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.