لم ينه تأسيس محكمة الجنايات الاستئنافية، تطبيقا لما جاء في المادة 160 من الدستور الحالي، الجدل بخصوص تعميم «مبدأ التقاضي على درجتين»، بل أثار نقاشا آخر يتعلّق بالقاعدة الشعبية، التي تقول إن «الشرع تبع بعضو» كما تقول العبارة الدارجة الشهيرة.
وفي الوقت الذي عجز فيه الدستور وقانون الإجراءات الجزائية عن التجسيد التام لواحد من أهمّ مبادئ التقاضي، كرّس المؤسس الدستوري والمشرعون من حيث لا يعلمون تلك القاعدة الشعبية غير المكتوبة، والتي يبدو أنّ من صاغها له باع طويل في المحاكم ويعرف ما لا يعرفه كثير من فقهاء القانون والدستور.
اليوم وبعد سنين من الممارسة الميدانية، جاء وزير العدل ليعترف بأن غالبية الأحكام الابتدائية تُؤيّد على مستوى محكمة الاستئناف هذه، ممّا يجعلها تشكّل عبئا إضافيا على الخزينة العمومية، و»مضيعة للوقت والجهد».
ويدعو الوزير إلى إعادة النظر في تلك المحكمة، وإلى نقاش وطني يشارك فيه القضاة والمحامون والأساتذة الجامعيون، لكنّ الضابط الأكبر الذي يحدّد ذلك النقاش هو عدم التراجع على المبدأ الدستوري الكبير، الذي يحرص المشروع الحالي على تكريسه، من خلال المادة 165 المقترحة التي تقول إن «القانون يضمن التقاضي على درجتين، ويحدّد شروط وإجراءات تطبيقه».
ولئن كان المبدأ مجسّدا، منذ مدة طويلة في القضاء المدني، ولم يطرح أيّ إشكال، فإنّ تطبيقه من عدمه أحدث مشكلات في «الجنائي»، وهذا ما يفترض أن يتناقش فيه الخبراء القانونيون، عند التعديل القادم لقانون الإجراءات الجزائية تكيّفا مع الدستور الجديد.
وفي انتظار العقل المبدع الذي يجد الصيغة المثلى للتوفيق بين إلغاء المحكمة التي «تشكّل عبئا إضافيا على الخزينة العمومية»، وتحرص على تطبيق روح مبدأ «التقاضي على درجتين» في القضاء الجنائي، فإنّ «المبدأ الشعبي» الذي يقول إن «الشرع تبع بعضو» يبقى صحيحا، لأنّ الواقع يؤيّده في كثير من الحالات إلى غاية إثبات العكس.