منذ سنين، زار الجزائر روائي موريتاني بارز كان يشتغل مستشارا في رئاسة جمهورية بلاده. وبكل عفوية قال إنه بقي في تلك الوظيفة خلال عهد معاوية ولد سيد أحمد الطايع، واستمر في مهامه بعد الانقلاب واستلام اعلي ولد محمد فال. وأمام تلك المفارقة قال كاتب جزائري بارز موجّها كلامه إلى الروائي الموريتاني: «يبدو يا عزيزي أنك مستشار لا يستشار».
ما أشبه حال «مجلس المحاسبة» بحال ذلك «المستشار» الموريتاني، عندما يجد عمله غير مجد وهو يقدّم تقاريره إلى الجهات العليا، لكنها لا تجد لها سبيلا إلى النشر ولا يطّلع عليها الرأي العام، مهما كانت أهمية المعلومات التي تتضمنها وكلها تتعلق بالمال العام الذي تفنن السارقون في نهبه بطرق مبتكرة.
ولم ترتبط هيئة عمومية بالجدل والسجال السياسي منذ ارتبط «مجلس المحاسبة» منذ إنشائه سنة 1980، بموجب تعديل دستوري محدود لم يضف إلا مادة تنص عليه، بعد أن فجّرت وسائل الإعلام وقتها كثيرا من القضايا المتعلقة نهب المال العام، ولم يكن دستور 1976 يتكلم عن الفساد والمفسدين في زمن حكم الحزب الواحد والإيديولوجية الاشتراكية.
إنها المادة الدستورية والهيئة التي استخدمتها السلطة حينها لمحاسبة «رموز النظام السابق» وعلى رأسهم وزير خارجية هواري بومدين الذي تحوّل من طامح في كرسي الحكم إلى متهم بالفساد.
والغريب أن الشخص الذي تأسست بسببه تلك الهيئة، سيعود بعد سنين طويلة من «عبور الصحراء» ويستلم مقاليد الحكم و»يتفنن» حكمه في التلاعب بالنصوص المحدّدة لها، بل أن التلاعب بدأ قبل ذلك بكثير، عندما لم ينص المؤسس الدستوري ولا المشرع على إلزامية استشارتها.
ومهما كان موقع «مجلس المحاسبة» في الدستور فإن عدم النص على إلزامية استشارته وعدم النص على نشر تقاريره، يبدو عملا أقرب إلى العبث، وخدمة للفساد والمفسدين، ومضيعة للوقت والمال.
وماذا لو ينص الدستور على نشر تقارير مجلس المحاسبة بأثر رجعي، ويطّلع الرأي العام على التقارير السابقة؟ فأي خراب سنكتشفه؟ ولو بعد أوانه؟
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.