يخشى علماء الآثار من أن تقع العديد من المواقع التراثية في إفريقيا ضحية لتغير المناخ حيث تواجه القارة أكبر أزمة منذ سنوات، وحذروا من العواقب الوخيمة لفقدان القطع الأثرية.
وترك البشر بصماتهم على قارة إفريقيا لآلاف السنين، وهذا ليس مفاجئا، نظرا لأنها تحتضن أراضي أجدادنا.
ومن الفن الصخري في جنوب إفريقيا إلى الأهرامات على طول نهر النيل، تقدم إفريقيا لمحة عن الحياة عبر التاريخ. ومع ذلك، كان الشعور بالظواهر الجوية المتطرفة نتيجة لتغير المناخ أشد وطأة هناك.
ويهدد ارتفاع مستوى سطح البحر والتحديات المناخية الأخرى الآن، بتدمير المعالم الثقافية التي لا تقدر بثمن.
وكتب باحثون من المملكة المتحدة وكينيا والولايات المتحدة في مجلة Azania، أن هناك حاجة إلى “تدخل كبير” لإنقاذ هذه المواقع التراثية.
وأحدث مثال يأتي في السودان، الذي يعمل بلا كلل لمنع مياه الفيضانات من نهر النيل من الوصول إلى مواقع التراث العالمي المعينة من قبل الأمم المتحدة في البجراوية (مدينة أثرية).
وقال أندرو بيترسن، مدير البحوث في علم الآثار الإسلامية بجامعة ويلز ترينيتي سانت ديفيد، لموقع “إكسبرس” البريطاني، إن مثل هذه الخسائر ستؤدي إلى تدمير الثقافة والمعرفة وفهمنا للعالم الذي أمامنا.
وبينما تحدث الدكتور بيترسن عن مخاطر تدمير التاريخ عن قصد، فإن تعليقاته تشير أيضا إلى إمكانية فقدان الآثار من خلال تغير المناخ، حيث أوضح: “إن فقدان التاريخ المادي أمر خطير للغاية”.
وأضاف: “أرى علم الآثار بمعنى أنه شكل من أشكال علم الآثار الشرعي، الأمر كله يتعلق بمحاولة اكتشاف الحقيقة. لذا، بمعنى ما، لا يهم ما تكتشفه، ما يهم أكثر هو أن تكتشف ما حدث بالفعل. ومن دون أدلة مثل الآثار والمصنوعات اليدوية، لن تعرف على وجه اليقين ما حدث من قبل”.
والآن، يحذر مؤلفو تقرير Azania من أن عددا من المواقع الأخرى، بالإضافة إلى السودان، مهددة من قبل العناصر المناخية.
وكانت مدينة سواكن الواقعة في شمال شرق السودان ذات يوم ميناء هاما للغاية على البحر الأحمر. ويمكن إرجاع تاريخها إلى ما قبل 3000 عام، عندما حوّل الفراعنة المصريون الميناء ذا الموقع الاستراتيجي إلى بوابة للتجارة والاستكشاف.
وأصبح فيما بعد مركزا للحجاج المسلمين في طريقهم إلى مكة، ولعب دورا مهما في تجارة الرقيق الواسعة في البحر الأحمر.
وهناك بحث مستمر لرصد مدى تآكل الساحل بالقرب من الموقع، وعند أي نقطة سيشكل ارتفاع مستوى سطح البحر تهديدا خطيرا للمركز الثقافي.
وفي شرق إفريقيا، تواجه مدينة لامو القديمة في كينيا خطر الانقراض. ووفقا لليونسكو، تعتبر أقدم مستوطنة ساحلية وأفضلها في البقاء سليمة في شرق إفريقيا بالكامل، ومع ذلك، تسبب تراجع الخط الساحلي في فقدان المدينة للحماية الطبيعية التي كانت توفرها الرمال والنباتات.
وقالت البروفيسورة جوان كلارك من جامعة إيست أنجليا البريطانية لشبكة “بي بي سي”، إن بناء ميناء لامو الضخم شمال المدينة القديمة أدى إلى “تدمير غابات المنغروف التي تحمي الجزيرة من الفيضانات”.
وفي جزر كومورو، في جزر القمر، قبالة سواحل شرق إفريقيا، يعود تاريخ العديد من المواقع البارزة، إلى مئات السنين، ومع ذلك، تعد الجزيرة من أكثر الأماكن “المهددة” بارتفاع مستوى سطح البحر في إفريقيا.
وزعمت الدراسة المنشورة في Azania، أن السيناريو المعقول لانبعاثات الكربون العالمية المعتدلة إلى المرتفعة سيشهد “غمر أجزاء كبيرة من المنطقة الساحلية الإفريقية بحلول عام 2100”.
وأضافت الدراسة: “بحلول عام 2050، ستكون غينيا وغامبيا ونيجيريا وتوغو وبنين والكونغو وتونس وتنزانيا وجزر القمر كلها في خطر كبير من تآكل السواحل وارتفاع مستوى سطح البحر”.
وتتميز غانا، الواقعة في غرب إفريقيا، بمراكز تجارية تاريخية محصنة تأسست بين عامي 1482 و1786، والتي تمتد لمسافة 500 كيلومتر (310 ميل) على طول الساحل.
وتم بناء القلاع والحصون من قبل تجار مختلفين في نقاط عديدة من تاريخ غانا، ورسموا صورة للاستعمار الوحشي والمأساوي.
وتشمل التحصينات القائمة اليوم الهياكل التي شيدتها البرتغال وإسبانيا والدنمارك والسويد وهولندا وألمانيا والمملكة المتحدة.
ولعبت تلك البنية التحتية دورا في تجارة الذهب، وفي وقت لاحق، في صعود وهبوط تجارة الرقيق بين إفريقيا والأمريكتين، وكلها تواجه الآن خطرا كبيرا بسبب زيادة العواصف والتعرية.
وفي ناميبيا، جنوب إفريقيا، تخلق درجات الحرارة المرتفعة الظروف المثالية لانتشار الفطريات والحياة الميكروبية على الصخور.
وهذه أخبار سيئة للفن الصخري الواسع في مواقع مثل Twyfelfontein في منطقة Kunene في ناميبيا، والتي تضم واحدة من أكبر تجمعات الفن الصخري في إفريقيا، والتي يعود تاريخ بعضها إلى 2000 عام على الأقل.
وفي شمال إفريقيا، تمتلك مالي بعضا من أشهر القلاع الحجرية في القارة.
ويعود تاريخ منازل دجيني الطينية التي يبلغ عددها 2000 أو نحو ذلك إلى عام 250 قبل الميلاد، وبعد ذلك بآلاف السنين أصبحت قناة سمحت بنشر الإسلام عبر غرب إفريقيا.
والآن، أدى ارتفاع درجات الحرارة والأراضي القاحلة إلى انخفاض المحاصيل وتراجع الدخل وتقلص عدد السكان. ويعتقد العلماء أنه في المستقبل قد يخسرون المنطقة إلى الأبد.
المصدر: إكسبرس