في الوقت الذي يتم فيه فتح استشارة وطنية حول “مخطط وطني للشباب” يبدو انه يشكل مسارا لتصويب العديد من الاختلالات الموجودة في السياسات العمومية الموجهة للكيان الشباني يفرض هذا التوجه الرسمي على مستوى وزارة الشباب والرياضة طرح سؤال في غاية الاهمية ضمن السياق وهو أي مخطط يمكن تجسيده وتفعليه لصالح الشباب والمقاربة ضمن التوجه تحتاج لاعادة نظر في الطرح والتصورات اذ يجب الانتباه الى متغيرات هامة في بيئة الشباب التي تمتاز بحركية ودينامكية متسارعة وايقاع مؤثر خارج الاداء وما يصاغ من برامج مؤطرة في قطاعات تعنى بخدمة وتكوين الشباب …اننا بصدد كيان فاعل ومؤثر بلغته المطلبية وإيقاعه في الحياة لا يستوعب بعد خطاب المؤسسات اتجاهاته وأرائه وتطلعاته في الحياة…فقد اثبت التجارب السابقة ان سياسة التكفل بالشباب والتعاطي معه ككيان تحركه لغة مطلبية عجزا في فهم تجليات الواقع الشباني وحقائقه فمن قال ان الشباب الذي تتسع فئاته العمرية وتتعدد بما تطرحه الشريحة من تباينات فيزيولوجية واجتماعية وثقافية في الكيان يبحث فقط عن مناصب العمل والهجرة نحو اوروبا وتحقيق الرفاهية في المعيشة..؟ ومن قال ايضا ان الشباب قد فقد الثقة تماما في كل ما هو رسمي في الاداء ..بمعنى ان نسائل ذواتنا عن هذه الاحكام المسبقة التي نراها تصف مسببات مشهد “قوارب الموت ” التي تحمل شبابنا وفي تشخيص البعض على عجل للظاهرة الاجتماعية الشبانية بما تطرحه من اشكاليات حقيقية ومسائلة هامة لسياسة الدولة للشباب وبهذا فان أي مخطط للشباب لا يمكن ان يصاغ دون الارتكاز على ارضية معطيات استراتجية علمية يمكن ان تجعل البرامج والمحتويات والتدابير المنتهجة قابلة للاسقاط في ميادين الاشتغال وما يقوم به المؤطرون والفاعلون من جهد في المسار قابلا للتقيم والتنصيف فقد خاطبت الدولة على مر عقود الشباب بالمؤسسات ..
فضاء شباني في الجماعات المحلية ..
من اهم الاختلالات الموجودة في الادارة في تعاطيها مع لغة الشباب التي تمتاز بطابع مطلبي في البلديات والولايات بمعنى ضمن السياق المحلي غياب أي فضاء للمشاركة الرسمية في المجالس البلدية وحتى الولائية اذ رغم وجود لجان منتخبة لا نجد إلا لجنة “الشباب والرياضة ” التي يمكن اعتبارها لجنة قطاعية اكثر من كونها “لجنة للشباب ” فلا يمكن منطقيا ان تفتك صفة ” تمثيل الشباب ” وقطاع واسع منه لا يعلم عن نشاط هذه اللجان شيئا …كما اننا لا نجد ضمن هيكل المجالس المنتخبة أي فضاء للشباب يمكن ان يكون ملزما للإدارة والسلطات يقترح فيه الشباب افكاره ومشاريعه وينقل فيه انشغالاته بشكل مباشر وهذا جزء من الخلل الموجود في اداء الجماعات المحلية ازاء الشباب باختلاف اعماره وتنوع اهتماماته واني ارى من تجربتي كباحث جامعي واعلامي مهتم بقطاع الشباب ان غياب فضاء للمشاركة في هياكل ومجالس الجماعات المحلية يكون ملزما وذات فعالية لا يقتصر فقط على بناء شكلي ساهم في اتساع الفجوة بين الادارة المحلية بهيكلها الاداري والبشري والشباب الذي لا يعلم قطاع واسع منه عن البلدية والولاية إلا الاعباء المعروفة لدى عامة الناس رغم وجود شباب جامعي يجب الاقرار ان ثقافته عن طرائق عمل الادارة وما هو موجود ضئيلة للغاية بحكم اعتبارات اراها موضوعية فالبيئة المحلية المؤسساتية غارقة في تقديري ضمن ثقافة التكليف الذي تطلبه الادارة المركزية ولا تتصل بالشباب وانطلاقا من هذا المعطى يجب مراجعة الهيكل الاداري والتنظيمي للجماعات المحلية وتكوين كفاءات بشرية جديدة على تاطير فضاءات يتواجد فيها الشباب تكون رسمية وملزمة وذات فعالية ويكون الشباب فيها غير مبرمج بقدر ما يكون فاعلا في اتخاذ القرارات وخاصة تلك التي تهم كيانه وحياته وتستشرف موقعه ودوره في الحياة العمومية اذ تتيح هذه الفضاءات في البلديات والولاية تكوين وتدريب الشباب على ممارسة انشطة للعمل العام وعمل المؤسسات وترفع منسوب ثقافته الادارية وتنمي خبراته في الطرح وتناول قضاياه الاساسية .
استراتجيات الاتصال بالشباب ..
هناك حلقة مفقودة ايضا في أي برامج يراد منها مخاطبة الشباب بما تبذله الدولة من مجهودات لصالح الشباب في قطاعات التشغيل والتكوين والترفيه وكان هذا الثالوث الوحيد الذي يتحرك فيه شبابنا ..هذه الحلقة المفقودة هي غياب أي رؤية اتصال فعالة واستراتجية في قطاعات الدولة التي تعنى بالشباب وذوبان العديد من المؤسسات في طابع التكليف الذي يلزم بالاتصال لإدارة ظرف او تظاهرة او نشاط يوجه للشباب وهذا اراه من الاختلالات التي تواجه الاداء الاتصالي في قطاع الشباب اذ يجب في اعتقادي ان تتبنى الدولة عبر الحكومة استراتجية الاتصال بالشباب ولا يمكن ان يكون موضوع الاتصال وحتى الاعلام الشباني قضية قطاع بعينه وإنما هي استراتجية دولة قبل كل شيء كون ان الشباب في استخدامه لمنصات التواصل الاجتماعي المتعددة يتعرف بغض النظر عن الاهتمامات والميولات في استخدام هذه الوسائط بكثافة على “الاخبار ..نشاط المؤسسات .. اتجاهات جماعات .. محتويات اخرى قد تكون ضمن الميولات …” وكل ما يراه من مضامين كما اشرنا يشكل بالنسبة لديه حياة اتصالية يومية مع مواقع التواصل الاجتماعي ويرتفع منسوب التفاعل وترتفع معدلات الاستخدام على حساب التعرض لوسائل الاعلام التقليدية والتعاطي مع انماط الاتصال لدى المؤسسات التي تبقى كلاسكية وغير مؤثرة في الشباب وهذا ما يتطلب في تقديري تبني استراتجية اتصالية فعالة عبر مستويات وطنية ومحلية تمتاز بعصرنة طرائق العمل ثم الوسائل والآليات وتكوين كفاءات في المجال للاتصال بالشباب وتحقيق ما اسميه ” الاستقطاب الشباني ” لمشاريع الاتصال التي يجب ان تؤطر على مستويات عالية .
مراجعة نشاط المؤسسات الشبانية …
من الاولويات الهامة التي يجب الاشتغال عليها في أي مخطط وطني للشباب الذي يجب ان لا يكون ممركزا او موجها الاتجاه الى مراجعة شاملة لأعباء المؤسسات الشبانية سواءا تلك التابعة لقطاع الشباب والرياضة كدواوين مؤسسات الشباب ودور الشباب والثقافة وهي تحتاج لتكييف في النشاط ومقاربات عمل جديدة لاستقطاب الشباب وباقي المؤسسات الاخرى التي تخص قطاع التكوين المهني والتعليم العالي والثقافة والاتصال اذ يجب ان تنخرط ايضا المؤسسات الاعلامية في استراتجية وطنية للشباب تبتعد تماما عن نمطية المعالجة الاعلامية لقضايا الشباب ولايقاعه ونشاطاته وحتى همومه وانشغالاته فمراجعة نشاط المؤسسات الشبانية لا يقتصر فقط على تغيير اساليب العمل التي اراها ادارية في غالب الاحيان بل يحتاج الامر الى تكوين لكفاءات ومؤطري في قطاع الشباب يلامسون ضمن الاعباء الجديدة لغة الشباب واهتماماتهم يملكون قدرة على الاقناع والعمل الجواري مع الشباب .
بقلم: د.محمد مرواني أستاذ جامعي وكاتب صحفي