منذ مدة وأنا أشكر فيروس كوفيد-19 على «حراك» خاص زرعه في الذين كانوا لا يؤمنون بقواعد النظافة، وفي الذين كانوا يتطاولون على الأطباء، حدّ الضرب والإهانة المباشرة في المصحّات والمستشفيات،
ولما تُصيبهم مصيبة كورونا يلهجُون بذكر أصحاب المآزر البيضاء..
أشكر كورونا لأنه فيروس يُجبر الهاربين من عالم الوقاية على السير جنب «الحيط الصحي» كلما سمعوا بجار أصابته «لعنة 2020»، أو زميل سقطت مناعته تحت معاول الـ»كوفيد»..
وأشكره أكثر لأنه زرع بذور الحيطة والحذر في نسيج اجتماعي تراخى منذ انسحاب شبح الإرهاب بشكل مباشر من الشوارع الجزائرية، التي عرفته عقدا من الزمن..
وأنا ممتن لهذا الفيروس الذي أبعد البطّالين عن المقاهي (التي علمتهم الإتكالية) شهورا، وجعلهُم يفكرون في أقصر الطرق للبحث عن شغل و»مشغلة»، أو»خلق» مناصب عمل موسمية، وبعث ديناميكية اجتماعية لم تكن موجودة، أو كانت خاملة، وحثّها التضامن الاجتماعي المثير في الأشهر الأخيرة، على الظهور مجدّدا..
وسعيد جدّا لأنّ الوباء أعاد للتراتبية الاجتماعية بعضا من بريقها المفقود، فصار الكبير محفوفا برعاية خاصة، والصغير مرفوقا بعيون تراقب أحواله وصحته.
وفرحٌ، حدّ ظهور الضواحك، لأن المرض، الذي أسقط «أوهاما صحية» سوّقها أصحابها مثل درجة الحرارة العالية قاتلة له، علّمنا أن نقتصد في الاحتكاك الجسدي، وقال لنا بكل لغات العالم إن التباعد الاجتماعي رحمة، ومنعكس شرطي لابدّ منه، لتفادي الأمراض المتنقّلة، بما فيها «الزونوز» (أمراض متنقلة من الحيوان إلى الإنسان).
ومسرور، إلى درجة الدعوة إلى استفتاء، حول فوائد كوفيد- 19 على البشرية، التي تعلّمت منه كيف تلتئم الأسرة، التي شتّتها التلفزيون والتكنولوجيا، وفايسبوك ويوتيوب وانستغرام، والألعاب وترف القرن الواحد والعشرين..
شكرا كورونا لأنك فيروس أعادنا إلى الاحتفاء بالعلم والبحث عن مستجداته، وأعادنا إلى طريق القراءة والمطالعة، والبحث، ناهيك عن اكتشاف جوانب من الحياة، فقدناها في زمن السرعة و»اختلاف الليل والنهار»..