بعد أن ثار شباب جزائري في أكتوبر 1988 ضد ظروف حياته وضد أسلوب حكم لم يتمكن من الوفاء بوعده ولم يعد قادرا، بآليات عمله، أن يُقنع وأن ينتزع مصداقية للخطاب وللممارسة، حينها أدرك من نخبة الحكم، وفئات أخرى كثيرة، أن الزمن هو زمن الإصلاح.
حينها نذكر أن الحرب العراقية الإيرانية وضعت أوزارها وأن نظام الأبارتايد بدأ في التلاشي، وقبلها، في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، عُقد مؤتمر السلام في أمريكا اللاتينية في واشنطن وخلُص إلى اتفاق سكتت بموجبه البنادق ونُظمت الانتخابات وفازت قوى كانت معارضة لأكثر من بلد، وتلى ذلك مسار سقوط وتلاشي المجموعة الشرقية. ذلك فتح الباب لما أسمّيه حمّى الديمقراطية.
كان واضحا آنذاك أن العالم يعيش تحوّلات كبيرة على مختلف المستويات، فحتى على مستوى القاموس السياسي، انتقلنا من قاموس إلى آخر، انتقلنا من الاشتراكية لاقتصاد السوق ومن الديمقراطية الاجتماعية إلى الديمقراطية السياسية ومن الوحدة إلى التعددية ومن التنمية المستقلة إلى التنمية المستدامة ومن الامبريالية إلى العولمة ومن حقوق الشعوب إلى حقوق الإنسان، وغيرها كثير..
لهذا، ولغيره، كانت الحركة الاجتماعية لـ5 أكتوبر 1988، منطلقا لجزائر أخرى. كان ينبغي أن تُدرك النخبة آنذاك أن طبيعة علاقتها بالجزائريين لابُد أن تبنى على أسس جديدة، وأن تقوم علاقات أخرى بين السلطات الثلاث وبين الأجهزة والمؤسسات، وأن يقوم نظام سياسي آخر وشرعية أخرى غير شرعية التاريخ.. بدأ مسارٌ في ذلك الاتجاه لكنه توقف بعد فترة زمنية قصيرة جدا، وعاد النظام لحاله القديمة ولكن من دون شرعية التاريخ..
اليوم تستعد البلاد لمسار جديد للتحوّل بعد حركة اجتماعية عارمة لا مثيل لها في التاريخ، وذلك يفتحُ باب الأمل من جديد في علاقة أخرى بين السلطة والجزائريين وعلاقة أخرى بين المؤسسات، ورقابة فعلية على ممارسة السلطة، وأن تكون النخبة في خدمة الشعب لا في خدمة فرد أو سلطة، تلك هي الالتزامات القوّية للرئيس تبون مرشحا ثم رئيسا.
ينبغي أن يكون حظ «حراك فبراير» أفضل من حظ «حراك أكتوبر».
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.