هل المال مشكلة؟ نعم كان مشكلة على أكثر من صعيد. الاقتصاد الريعي مكّن، للأسف الشديد، الكثيرين من ربح المليارات من دون أي جهد، وخاصة من دون ثقافة رأسمالية ومن دون استحقاق، ومن دون شرعية في حالات كثيرة.
الاقتصاد الريعي عندما يقترن بانعدام الرقابة وضعف المؤسسات وضعف أو حتى غياب دولة سيادة القانون، وعندما يقترن بالخصوص باحتكار السلطة واحتكار الثروة، يتحول لمشكلة دولة وليس فقط مشكلة إدارة اقتصادية أو مشكلة تحصيل جبائي.
لهذا عندما التزم الرئيس تبون بالفصل بين المال والسلطة فتح الباب للتمكين من إعادة المشكلة إلى حجمها الطبيعي، أي مشكلة إدارة أساسا وليس إشكالية بأبعاد سياسية تنغص على الدولة وتعمّم شعورا بأن النفوذ المالي أكثر أهمية من المسؤولية السياسية والمؤسساتية.
إنّ الوعي بالإشكالية ووجود إرادة سياسية هو بداية طريق، وحتى يتحول ذلك لمسار فاعل وفعال لابد أن يدرج في رؤية مؤسساتية، رؤية لبناء نظام وآليات حكم، وذلك يتطلب فيما يتطلبه تحرير الإنسان قبل المال أو في آن واحد على الأقل، ويتطلب أيضا وجود ساحة سياسية ووجود مجتمع مدني منظم وفاعل، وهو ما يوفر شروط قيام رقابة متعددة الأبعاد والمجالات.
لقد حُوّلت عائدات المحروقات، للأسف الشديد، من ثروة لخدمة التنمية وتلبية احتياجات الاقتصاد والمواطنين لمعول فساد وإفساد، ووصلت حدّ تدمير منظومة القيم وولدت لهثا غير محدود على المال العام تبذيرا ونهبا.
إنّ رسم هذه الصورة القاتمة لا ينبغي أن يكون مدعاة للتشاؤم، بل هو من ضرورات وضع الأصبع على معطيات ينبغي تجاوزها، وغلق كل الأبواب حتى لا تتكرر وحتى تتوفر شروط بناء علاقة أخرى بين السلطة والمال.
عندما نقول مثلا إن قوة سلطة وعدم وجود أي رقابة عليها، سلطة عامة أو سلطة مال أو التحالف بينهما، تتحول إلى ضعف للدولة، فعندها ندرك أن الأمر يحمل أبعادا إستراتيجية أكيدة، أقلها أنه وضعٌ مهددٌ للاستقرار لأنه يضرب مصداقية المؤسسات والقانون.
وتلك مسألة لا يمكن بأي حال من الأحوال قبول استمرارها.