واصلت الجزائر توجيه الرسائل التحذيرية، لكافة المنخرطين في النزاعات الإقليمية على حدودها، سواء الفرقاء المحليين أو الفاعلين الأجانب. وأكدت بشكل صريح، أنها معنية بهذه «الصراعات الدولية»، ولن تسمح بأن تطال أمنها القومي والاستراتيجي.
لا تريد الجزائر مزيدا من العبث بالاستقرار والأمن على حدودها الشرقية والجنوبية، وحذرت من العواقب الوخيمة لكل هذه الفوضى الحاصلة.
فليبيا، وفي حال استمرار التدخلات الأجنبية والاقتتال الداخلي، فهي على طريق سوريا أو الصومال. أما انهيار الوضع في مالي فسيؤدي إلى تداعيات لا تحمد عقباها في دول إفريقية أخرى.
تأتي هذه التحذيرات، في ظل دبلوماسية صريحة ونشطة تؤديها من أجل مساعدة الأشقاء في ليبيا ومالي على إعادة بناء مؤسسات شرعية وموحدة، مثلما أكده رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أمس، من مقر وزارة الدفاع الوطني.
وقدم الرئيس تبون، في ذات الخطاب فهم الجزائر للأوضاع ورؤيتها للحل. فبالنسبة لها، ما يجري حاليا ومنذ سنوات، هو «صراعات دولية»، باتت «تعنينا شئنا أم أبينا»، كما أن انهيار المؤسسات في البلدين ليس وليد خلافات داخلية فقط، وإنما نتيجة تخطيط ومؤامرة انكشفت خيوطها بوضوح «عند نقل شحنات الأسلحة من ليبيا إلى مالي سنة 2012، أين تأججت الأزمة وحدث الانقلاب العسكري في مارس من ذات السنة».
وفي ظرف سنة امتدت ألسنة اللهب إلى أغلب دول الساحل الإفريقي، في أزمات هجينة معقدة، تقاطعت فيها الجريمة المنظمة مع الإرهاب وفلتت من أيدي الحكومات مناطق جغرافية واسعة استولت عليها الجماعات الإرهابية.
براميل المتفجرات التي اشتعل فتيلها قرب الحدود الجزائرية، تصدى لها الجيش الوطني الشعبي، بمراقبة مشددة وتحكم مطلق في تأمين الشريط الحدودي، بالتوازي مع مساعي وساطة دولية قادتها الجزائر أدت بالفرقاء في مالي إلى توقيع اتفاق السلم والمصالحة الوطنية، سنة 2015، ومساع حثيثة إلى التقريب بين أطراف النزاع في ليبيا.
وتواصل الدبلوماسية الجزائرية، منذ مطلع السنة الجارية، العمل على طرد الفوضى من حدودها الشرقية والجنوبية، مؤكدة بكل حزم إصرارها على التوصل إلى حل سلمي شامل يراعي «مصلحة الشعبين الشقيقين».
في السياق، يؤكد رئيس الجمهورية، أن «الجزائر بمكانتها الإستراتيجية وثقلها الإقليمي تواصل مساعيها الدائمة لمساعدة الأشقاء في ليبيا»، وحذر من أن «حدوث أي انزلاق، خاصة بتسليح القبائل الليبية، سيصبح الحل مستحيلا، وسيخلق صومالا جديدة في شمال إفريقيا».
وجدد الرئيس تبون، تأكيد عدم الاكتفاء بدور المتفرج أو المعلق على سير الأحداث، والرمي بكل الثقل باتجاه الحل الذي يضمن مصلحة الليبيين أولا ويراعي الأمن الوطني الجزائري.
وأشار بأن الحل يكمن في «الإسراع، في أقرب الآجال، لإطفاء النار في ليبيا وإيقاف النزيف بانتخابات يشارك فيها كل الشعب الليبي»، تنتج مؤسسات شرعية ومنتخبة، مفيدا بأن صوت الجزائر بدأ يُسمع من قبل الكبار منذ مؤتمر برلين المنعقد في جانفي 2020.
كلمة الرئيس من وزارة الدفاع وما تحمله من رمزية، باعتبار ما يجري في البلدين مرتبطا بشكل وثيق بالأمن القومي للبلاد، يفهم منها أيضا، بأن الجزائر لن تسمح أبدا بإضعاف اتفاق السلم والمصالحة في مالي. وكان الالتزام باحترام بنود الاتفاق، من أكبر الضمانات التي اقتطعتها من السلطات الانتقالية الجديدة في مالي والفصائل الموقعة من شمال البلاد، وقبيل تنصيب الرئيس الانتقالي باه نداو، أكد الرئيس تبون، «بأن الحل في مالي سيكون 90 بالمائة جزائريا»، حيث رأت الجزائر بضرورة تقليص الفترة الانتقالية من 3 سنوات إلى 18 شهرا، واختيار رئيس مدني لقيادة الفترة. ويبنى موقف الجزائر ما يجري في مالي، من مراعاة مصلحة الماليين، بحكم علاقة الجوار والتاريخ المشترك، ولا تريد أن تظل قاعدة خلفية للإرهاب أو فاعلين دوليين بأجندات ضيقة، حيث أكد الرئيس تبون «بأن استقرار الوضع في مالي دعامة لأمننا الاستراتيجي والقومي». على صعيد آخر، جدد موقف الجزائر المبدئي والداعم في القضيتين، على أنهما مسألة تصفية استعمار واستيلاء غير مشروع على أراضي الشعبين الفلسطيني والصحراوي.