أكد عضو المجلس الدستوري، عبد النور قراوي، أن مشروع تعديل الدستوري، يتضمن ما يكفي من المواد لحماية حقوق المواطنين، واعتبر أن الوثيقة الدستورية في حالة تزكيتها ستعالج كل الاختلالات التي أدت إلى الأزمة غير المسبوقة التي عرفتها البلاد العام الماضي.
الشعب :جوهر العلاقة بين المواطن والمحاور الكبرى للتعديل الدستوري 2020 كان محور ملتقى دوليا للمجلس الدستوري، كيف يكون الدستور في خدمة المواطن؟
** في الأصل، الدستور هو ما اتفق عليه الشعب، وهو ذلك الميثاق الذي يربط بين أفراد المجتمع، فيكون بالضرورة في خدمة المواطن، كونه يركز على ما هو صالح للمجتمع وينظمه ويحميه، وبالأخص يحمي الحقوق الحريات والثوابت، وهذا منذ أن ظهرت فكرة الدساتير في العالم.
وكون الدستور أرقى ميثاق للمجتمع، تلزم نصوصه الجميع من الرئيس إلى المواطن البسيط، هذا الالتزام الذي ينسحب على الجميع يجسد حماية دائمة لحقوق المواطن وحرياته.
والمجتمع دون دستور هو مجتمع فوضى، مثلما كان عليه الحال في العصور الغابرة، حيث يأكل القوي الضعيف، بينما يوضح الدستور الحدود الواجبة، بين أفراد المجتمع أو بين المجتمع ومؤسساته أو ما يعرف حاليا بالسلطات الثلاثة: التنفيذية التشريعية والقضائية.
الفلسفة العالمية للدساتير، وضعت نوعين الدستور الجامد والدستور المرن، ففي الدستور الأمريكي مثلا، هناك قواعد عامة جدا بصلاحية زمنية طويلة وهذا هو الجامد، والجزائر من الدول التي اختارت الدستور المرن الذي يتغير ويواكب قضايا راهن المجتمع.
وبحكم اطلاعنا على دساتير العالم، نقول بكل موضوعية إن النصوص الدستورية التي جاء بها التعديل الدستوري من بين الأفضل، فهناك 42 مادة تخص حقوق المواطنين خدمة المواطن، وفي فصل الواجبات 6 مواد تجمع الواجب بالحق، فلما يقول المساواة في دفع الضريبة فهذا حق أيضا لجميع الأفراد.
ولما نجد في ديباجة التعديل الحالي بأن الشعب الجزائري متمسك بحقوق الانسان، وليس فقط الدولة التي تبرم معاهدات حقوق الانسان وتلتزم بها، فقد أصبحت قضية شعب برمته.
وينبغي الإشارة إلى أن الجزائر دولة حديثة، خضعت لاستعمار غاشم دمر الموارد المادية والبشرية، طيلة أزيد من 132 سنة، وهي في طور الالتحاق بركب الدول النامية، من جميع الجوانب منها الدستورية.
*يأتي التعديل الدستوري الذي سيعرض للاستفتاء في الفاتح نوفمبر، بعد ظرف سياسي معقد مرت به البلاد، وبالتالي هناك من يتساءل عما إذا كان الدستور المقبل (في حال تزكيته من طرف الشعب) علاج لأزمة، أم دستور صالح لأجيال؟.
** الاثنين معا، فهو يطلع للمستقبل وعلاج لما آلت إليه الثقافة السياسية في الجزائر، وهنا أقصد ثقافة المؤسسة والمواطن على حدّ سواء، فلا ينبغي أن ينحصر الأمر عند مؤسسات الدولة.
فكل مسؤول في الدولة من رئيس الجمهورية إلى رئيس جمعية، هو ابن الشعب الجزائري وبالتالي ثقافة الشعب هي التي تصنع قوّة المؤسسات.
ودعني أضيف، أن الأخذ بالاستقلالية الفعلية والكاملة للسلطة المستقلة للانتخابات، سيغنينا عن كثير من المؤسسات الرقابية الأخرى، فنجاح الممارسة والثقافة الانتخابية للشعب لن تجعلنا بحاجة لهيئة للوقاية من الفساد ومكافحته، لأن المجتمع يمنح صوته للرجل المناسب.
والمنتخب المترشح سيأتي قويا لمنصب المسؤولية، لأنه مسنود بمجتمع صادق وواع، عكس ما نلاحظ حاليا من كون المنتخب مكروه من طرف ناخبيه، وهذا تناقض ناتج عن تراكمات لممارسات بعض الأشخاص، أدّت إلى كل هذا التنافر بين طرفي المعادلة السياسية.
ولما نقوي الثقافة الانتخابية ونقنع المواطن بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، وخاصة في انتخاب رئيس الجمهورية ننتج مؤسسات صادقة، خاصة إذا كان الرئيس له النية الصادقة، مثلما هو عليه السيد عبد المجيد تبون، الذي أبرز نية صادقة، وهو بصدد الوفاء بالتزاماته الانتخابية وعلى رأسها تعديل الدستور.
* هل يضع التعديل الدستوري الحالي، الآليات اللازمة لضبط مؤسسات الدولة دون اللجوء إلى الاجتهاد الدستوري، وهي مرحلة عايشتموها في المجلس الدستوري سنة 2019 ؟
** كعضو مجلس دستوري، أقول أننا تحملنا في المرحلة السابقة مسؤوليتنا الوطنية، ونحن نعلم أن المحاكم والمجالس الدستورية، من خلال القاعدة الدستورية تستطيع أن تستشف قاعدة ولو ليست مكتوبة حرفيا في الدستور. الكثير من الأصوات تعالت وتكلمت على قضية رئيس الدولة وفترته في الحكم، وهذا خطأ أريد به باطل.
لأن الأساس الذي جاء من أجله رئيس الدولة في الدستور، هو أن يتولى تنظيم انتخابات رئاسية، فالمهمة الأساسية له، تسليم السلطة لرئيس منتخب وإذا لم يفعل سيكون قد قصر، وقضية المدة الزمنية تخضع للظروف التي تمر بها البلاد.
في المجلس الدستوري، يومها كنا أمام مسؤولية ثقيلة جدا أنجزناها وفق ضمير وطني، فلن نضيع مستقبل الجزائريين، فنتائج المراحل الانتقالية ماثلة أمام أعيننا ببعض الدول الشقيقة.
ومنذ أزمة التسعينات بعد أن سالت الدماء، أصبحنا في الجزائر لا نؤمن لا بالمراحل الانتقالية ولا بالمجالس العليا للدولة، نؤمن برئيس دولة في إطار الدستور، والمهمة حصرية للمجلس الدستوري في إنشاء قاعدة دستورية مستنبطة من القواعد الموجودة في الدستور. والمؤسس الدستوري في مشروع التعديل الحالي راعى هذا الجانب وأدخل الآليات اللازمة، خاصة بعد إعطائه صلاحيات أكبر للمحكمة الدستورية التي ستعوض المجلس الدستوري الذي كانت له اختصاصات انتخابية في غالبها أو رقابية على القوانين العضوية قبل صدورها.
والمحكمة الدستورية ستختص في مسائل الدفع بعدم الدستورية وحق المعارضة السياسية في الإخطار، وغيرها من الصلاحيات التي تضفي على الهيئة الصبغة القضائية، وكل هذه الآليات ترسي أسس الاستقرار المؤسساتي للدولة لمدة زمنية طويلة تلبية لتطلعات الجزائريين.
*كيف تعلق على إخراج رئيس الجمهورية، لعناصر الهوية الوطنية من النقاش حول الوثيقة الدستورية؟
** أقول إن الدولة الأمريكية، لديها عناصر لا تجتمع فيما يخص الهوية لغات متعددة فئات اجتماعية تنحدر من أصول وأعراق مختلفة، ومع ذلك لها ثوابت لا يمكن المساس بها، في الجزائر لدينا ثوابت وطنية متأصلة لا بد من الحفاظ عليها لأنها رمز قوتنا، وقوتنا، وبصيانة الثوابت لن نخشى الصعاب والتجاذبات مهما كانت، وعلينا أن نعي بأن الدول التي تعاني الويلات، اخترقت ثوابتها وضربت في وحدتها الوطنية.
وفوق هذا كله، لا ننسى أن بيان أول نوفمبر أكد أن الهدف الأسمى للكفاح التحرري، هو بناء دولة ديمقراطية وفق مبادئ اجتماعية وإسلامية.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.