قبل أيام قليلة، أشعلت الفتاة «شيماء» مواقع التوصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الكلاسيكية، ليس لأنها قُتلت ببشاعة، فجرائم القتل تُرتكب يوميا بأشكال مختلفة، وإنما بسبب حرق جثتها وهو أمر يبدو جديدا ومثيرا.
ولم يمر أسبوع واحد، حتى تكررت الجريمة بحرق امرأتين أخريين بنواحي مدينتي سطيف وسكيكدة، فهل هو تطور جديد في عالم الجريمة؟ أم هو التأثر بوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، الذي يدفع إلى التقليد من أجل تحقيق «الباز»، مثلما حدث مع «جريمة شيماء»؟
يبدو أن الأمر يتعلّق بـ»اللاشعور الجمعي» بتعبير العالم النفساني كارل يونغ، وهو المجال الذي دفع بعلماء الإجرام إلى تشديد العقوبة في «الحق العام» حماية للمجتمع من الانحراف والأمراض، التي قد تدفع به إلى البدائية، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال التسامح في هذا الحق، حتى ولو تنازل الضحية عن حقه لأن المجتمع لا يتنازل عن حقه وعلى «النيابة العامة» أن تدافع عنه بالوسائل القانونية اللازمة.
إن الجرائم الاجتماعية بأبشع صورها، من قتل وحرق واغتصاب وحتى زنا المحارم، قديمة في مجتمعنا، لكن المعلومات بشأنها لم تكن تصل الرأي العام، ليس لأن الإعلام كان ضعيفا، بل كان لا يتناولها إلا في إطار ضيّق، ولا ينقلها إلا وفق محاذير، وحتى المحاكم كانت تناقشها في إطار مغلق، تجاوزا لمبدأ «علنية الجلسات» المعروف في عالم القانون.
لقد أصبحت أخبار الجريمة، الآن، تملأ وسائل الإعلام بتفاصيلها المملّة، وكثيرا ما تُعهد إلى صحفيين مبتدئين لا يفرّقون بين الجناية والجنحة، ولا همّ لمسؤوليهم إلا تحقيق «السبق» على حساب استقرار المجتمع، على حساب الحقيقة نفسها.
وفي رحلة الانحدار الكبير، برزت شبكات التواصل الاجتماعي التي تولّت زمام الأمور وأصبحت تنقل الجرائم على المباشر، وفي «الزمن الحي»، وأصبحت وسائل الإعلام التقليدية تابعا لها، فغابت أخبار الثقافة والفكر والنقاش الحر، لحساب الجرائم.
وبعد أن بات حرق جثث الضحايا فعلا مبتذلا لا يحقق عدد القراءات والمشاهدات المطلوب، أصبح المنتظر «ابتكار» أسلوب جديد للقتل يحقّق الشهرة اللازمة. وما تزال رحلة الانحدار متواصلة..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.