يعتبر الدكتور أسامة كروش أن العدالة ما فتئت تستند في مجمل أحكامها القضائية وبالخصوص في جرائم القتل الى تقارير الطب الشرعي كأداة ناجعة لإدانة مرتكبي مختلف الجرائم. ويدعو الدكتور أسامة كروش، أستاذ مساعد بمصلحة الطب الشرعي، بالمستشفى الجامعي لتلمسان، في كل الأحوال “إلى عدم التسرّع في الحكم على شخص أو قضية حتى يستوفى التشريح مبلغه”.
قضية شيماء: إصدار أحكام افتراضية تقذف الأموات سلوك غير أخلاقي
وإعتبرا القذف ظاهرة لاأخلاقية منبوذة في كل المجتمعات مثل ما هو الحال بالنسبة للفتاة المقتولة شيماء، والتي أغرقت قضيتها بوابل من الاشاعات عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي
الطب الشرعي كفيل بوضع حد للإشاعة وقذف الميّت..
إن الطب الشرعي يمثل أنجع الوسائل العلمية للكشف عن مجمل الأدلة والاثباتات لتطبيق مختلف الأحكام القضائية ضد من عاثوا في الأرض فسادا وسمحوا لأنفسهم بأن يقذفوا أمواتا بغير وجه حق، وهم على الأغلب لم يلتقوا بهم أبدا.
ويقول في هذا السياق: “إننا لا نستطيع أن نفضي أحكاما في إطار واضح دون اللّجوء إلى معونة الأطباء المختصين في الطب الشرعي والجنائي فأحيانا، بحسبه، ومن خلال تجربته الطويلة في هذا الميدان، إنه في حالات متكررة “يكتشف التشريح حقائق تُسكت كل لسان فتحرّر المقيّد وتبيّن الحق وتفنّد كل ادعاء”، وذكر أمثلة من الواقع توضّح ذلك، أين أصبح الأموات،بحسبه، يستهدفون ويقذفون من البعيد قبل القريب، ويقول: “كم هي تجاربنا نحن الأطباء الشرعيون في كشف حقائق مخالفة، بعد الكشف وتشريح الجثث”.
حكم عليهن المجتمع بالإعدام وأنصفهن الطب الشرعي في عفّتهن
تطرق الدكتور أسامة في حديثه إلى أمثلة عن حالات لا تعد ولا تحصى لأشخاص توفوا قبل أن ينصفهم تقرير الطب الشرعي، ويذكر من بينها هؤلاء هناك فتيات حكم عليهن المجتمع قبل أن يحكم عليهن القانون، وهن لم تقترفن أية خطيئة سوى أن إحداهن ابتليت بداء غريب عن من هم حولها ليحكم عليها جهلهم قبل عقولهم، قائلا: “كم من فتاة قذفت في عفّتها واتهمت في شرفها.. وكان الطب الشرعي والدليل العلمي شاهدين على عفّتها”، و يتحسر قائلا أيضا “كم من ميت حيكت حول أسباب وفاته قصص واتهم في تعاطيه المخدرات والكحول وأدخل النار بفتاوى الغافلين”، وبعد التشريح “اتضح أن سبب الوفاة كان جلطة في الدماغ أو تضخما مزمنا في القلب لا طالما عانى منه الميت، وهو يخفيه”، و “كم من فتاة ماتت واتهمت في شرفها أنها حامل بغير زواج شرعي حتى يظهر التشريح أن لها ورما كبيرا في الرحم وأن عذريتها محفوظة”.
التشريح يحتاج إلى وقت لكن روّاد الفايسبوك “حكموا بأحكامهم”
وبالعودة الى حالة شيماء، سألنا المختص حول إمكانية الطب الشرعي أن ينصفها، وهي قد أحرقت جثتها إلى غاية التفحم. وهل تتوّفر وسائل تمكن من الكشف عن الحقيقة. فأجابنا أن هناك ثلاثة أسئلة مهمة يجتهد الطب الشرعي في الكشف عنها، في الأول يتوّجب التعرف على الجثة وفي مرحلة ثانية يتم البحث عن سبب الوفاة وحيثياتها، وفي ثالث مرحلة يتم تحديد زمن أو وقت الوفاة، ويستلزم هذا كله الخضوع لقواعد التشريح بكل مراحله وتتمثل هذه الأخيرة في كل من: معاينة الجثة على مستوى مسرح الجريمة، القيام بالتشريح الطبي الشرعي مع الكشف عن الجثة بالتشخيص المكمل بالأشعة وأخذ العينات البيولوجية، إضافة إلى البحث الجيني على الأنسجة التي لم تمسّها النار ولم يتلفها الحرق. ويضيف بخصوص البحث الجيني الذي يخضع لعلم الوراثة، المعتمد على أخذ عينات كالعظم والضرس والعضلة والشعر غير المتلف مع جذره .. وتعد خزانات للمورثة ” ADN / الأديان” تنزع هذه العينات، وبعد ذلك يحتفظ بها ثم ترسل الى المختبر العلمي المتخصص. ويأتي التشريح ليوضّح نظرية الحرق أثناء الحياة أو الحرق كوسيلة لإخفاء جثة، وبعدها يكون الاجتهاد في معرفة سبب الوفاة والبحث عن أي دليل كجروح بالآلات الحادة والعيار النارية أو الخنق أوغيره… ثم يكون تحديد وقت الوفاة بالتقريب، علما أن كل ذلك يستلزم وقت.
تقرير الطب الشرعي الجنائي.. الفاصل الأوحد
إلا أنه في قضية شيماء، يقول المختص، رغم اعتراف الجاني، وجب البحث عن الدليل الجنائي والاحتفاظ به، إضافة إلى نزع عينات الجينات وارسالها الى المخبر الوطني بالعاصمة، ثم أخذ عينات من أهل الميت، لا سيما الآباء أو الأبناء في حالات أخرى والقيام بعملية المطابقة الجينية. وهذا بحسبه، مثل ما هو الحال بالنسبة لجثة الضحية التي هي في حالة تشوّه نتيجة الحرق، مع فقدان ملامح الوجه والأطراف وطمس البصمات الجلدية، إلا أن التحقيق الجنائي يبقى هو وحده الحكم ولا يمكن لأي كان أن يصدر حكما مسبقا خارج عن إطار نتائج التشريح والطب الشرعي ليكتمل في الأخير بعد البحث تحديد سبب وحيثيات الوفاة.. وبات اليوم، استناد العدالة الى الطب الشرعي أكثر من ضرورة، بل أولوية الأولويات وبالخصوص في قضية الحال المتعلقة بالضحية شيماء، بالنظر لدور هذا الاختصاص في عملية الكشف عن الحقائق الخاصة، بمختلف القضايا الإجرامية التي ما فتئت تتسّع رقعتها يوما بعد يوم في مجتمعنا.