تتحدث الكاتبة والروائية والشاعرة المغتربة حياة قاصدي، عن أحدث إنتاجاتها الأدبية رواية «ستائرنا»، الصادرة مؤخرا، عن دار نقطة بوك للنشر والتوزيع، والتي تغوص فيها في الكثير من القضايا في تجربة سفر «روائية»، ممتعة وساحرة إلى عالم البشر الخفي، والولوج إلى خفايا الذات الإنسانية، ونقل تفاصيل ما سجن هناك لتخرجه للعلن.
وتعتبر الروائية حياة قاصدي، من بين ألمع الأسماء الشابة التي استطاعت بقلمها الذهبي إثارة الاهتمام ولفت النظر بكتاباتها وديوان أشعارها، حول عالم المرأة وزيف حضارة المجتمع العربي بخصوص التعامل مع المرأة كأنثى، وهو ما سردته في «ستائرنا، وقبلها في «محراب المشاعر»، أين تحلم بانهيار الألم بين الأزواج وأن يكون الطرفان لباسا لبعضهما تضيف محدثتنا.
وتتطرق الروائية قاصدي في حوار لـ»الشعب ويكاند» من فرنسا البلد الذي تقيم فيه منذ سنوات طويلة، إلى الكثير من القضايا التي تتعلق بواقع التأليف ببلادنا ورسائلها للمرأة الجزائرية ومشاريعها المستقبلية وغيرها من النقاط فصلت فيها قاصدي في هذا الحوار.
الشعب أونلاين: من هي حياة قاصدي؟
حياة قاصدي: أنا مواطنة جزائرية مغتربة، من مواليد 1967م بالعاصمة، متحصلة على شهادة ليسانس في التاريخ من جامعة الجزائر، هوايتي المطالعة والكتابة منذ سن مبكرة، كتابة المقالات والخواطر والشعر والرواية، غادرت التراب الوطني سنة 2002، مارست مهنة التدريس في مدرسة الزيتونة الخاصة والمركز الثقافي بمدينة مرسيليا، قبل أن أكرس كل وقتي لعالمي المفضل «الكتابة شعرا ورواية».
* كيف دخلت عالم التأليف؟
** كنت في 14 من عمري، عندما اكتشفت أنني جزء من هذا العالم، حيث كنت أجد سعادة خرافية في حصة الأدب العربي، وتذوقت حلاوة اللغة وجمال مملكة الحرف وأنا أقرأ للأدباء العرب، كنت أوفر النقود لأشتري الروايات، كما كنت أقرأ الشعر في المجلات الأدبية الآتية من المشرق، كانت لعمتي صديقة سورية كان والدها يتحصل على المجلات الأدبية من سوريا ومصر، فعلا في مرحلة الثمانينات لم يكن سهلا التواصل مع العالم العربي أدبيا مثل وقتنا الحالي، كنت أعتبر نفسي محظوظة وأنا أطالع آخر ما يصدر في المشرق من شعر وروايات.
وكنت أحس حينها أن عالم الحب كبير جدا، كان يولد بداخلي هذا البناء الضخم لكنني كنت أجهضه خوفا من سطوة الواقع، فكنت أسقط أحاسيسي على ورق وأحبسه بجدران المذكرات الشخصية، كنت أراقص النجوم عندما يغمض الجميع جفونهم وأناجي الحروف وأبنيها وأنا أدسها داخل علبتي السرية، كنت أسال نفسي لماذا نخجل نحن البشر بل نحن العرب من إظهار مشاعرنا؟ لماذا نلغيها وهي فينا حية وهبها لنا الله كما وهبنا الحياة توقفت عن الكتابة عندما أدميت حرفي، تولدت لدي أسئلة؟ ما فائدة الكتابة وأنا أدفن الحرف قبل ميلاده؟ اختنقت مشاعري وهي تراني أجلدها وأرمي بخطوط أحلامي في سلة المهملات، توقفت عن الاتصال بعالم كنت فيه واقفة بين محيطين.
وقد دخلت عالم الكتابة لأنه عالمي ولد معي وظل في حضني ورفض الموت رغم أنني ظننت أنه برح مواطني بحكم توقفي عن الكتابة لسنوات، لكن بمجرد ما أحسست أنني في حاجة إليه وجدت نفسي فعلا قادرة على طرق الباب وأحسست أنه بإمكاني أن أمتلك المفاتيح بكل ثقة، و فعلا بدأت أكتب وأطالع أكثر، ورغم غربتي لكن وسائل التواصل الاجتماعي منحتني الأجنحة التي اسافر عبرها يوميا نحو جديد ثقافتنا وجديد الحركة الأدبية، صفحات متنوعة جعلتني أستعيد ذلك الذوق الجميل لأكتشف من خلاله ما يخبئه عالم الصدر من ملكة وحب للغة والأدب وبطبيعة الحال باب الأدب في منصات التواصل حاضر بكل قوة، علينا فقط اختيار الموطن الذي نسافر إليه والفضاء الذي نجد فيه ميولنا وتوجهاتنا الفكرية والثقافية.
وقد قررت أن أطلب سراح حروفي من صدري، كتبت في العديد من المجلات،خواطر وأشعار ومقالات منها عن مدينة القصبة عن مساجدها ايضا وعن المجاهدة جميلة بوحيرد كلها تم نشرها في جريدة الرأي الآخر في بداية السنة الحالية.
* حدثينا عن آخر إصداراتك؟
** آخر الإصدارات رواية ستائرنا، تتحدث عن معاناة المرأة الجزائرية في إطار العلاقة الزوجية، تطرقت فيها إلى ضرورة إعادة النظر في رسم علاقة جميلة بين الأزواج،ليست المرأة دائما لوحدها الضحية وعليها أن لا تستغل هذه النقطة لتنقلب إلى ظالمة، على الجميع تحمل مسؤولياته تجاه الطرف الثاني فالهدف في النهاية هو السعادة الروحية والأسرية، وإلا فلا داعي للقيام بدور لا يؤدي الهدف الأسمى، الزواج علاقة مقدسة بناها الله على أساس روحي وعلينا أن نبني بيوتا تحمل أسوارها السكينة والأمان.
لم أكتف فقط بالإشارة إلى معاناة الأنثى بل وجدت أنه يجب التخلي عن الأنانية من كلا الطرفين، حتى للرجل أوجاعه الروحية أيضا، موجهة للمرأة وللرجل…لمن يحلمون بالسكن الجميل ويبحثون في قلوبهم عن مفاتيح هذا السكن.
وسمحت لي «ستائرنا»، بالسفر إلى عالم البشر الخفي، والولوج إلى خفايا الذات الإنسانية، ليس سهلا أن تمتلك الأليات التي تجعلك قادرًا على قراءة الذات ونقل تفاصيل ما سجن هناك لتخرجه للعلن، عليك بوضع اليد على الجرح ولمس كل ما يتعلق بالمعاناة فتمنح القارئ المرآة التي تجعله يجد من خلال الحرف ما يعجز هو كقارئ عن اكتشافه وتمكنه أيضا من مواجهة كل ما يخفيه عالمه النفسي وقد يكون أحيانا غير قادر على رؤية ما يختلج في ذاته، عندما نقرر كتابة رواية يكون ذلك بالنسبة لي كمن يحمل جواز سفره ليدخل منطقة لا يمكن للجميع دخولها بإمكانه لوحده اكتشاف أسرارها ومن ثمة تقديمها على طبق من حروف الأدب ليتمكن القارئ من التمتع بمعانيها واكتساب أحلى ما يمكن أن يقدمه إنسان لآخر ألا وهي المفاهيم الجميلة والقيم البناءة و سبل الالتحاق بالعالم الراقي.
لماذا اخترت عنوان ستائرنا بالضبط؟
** : إن اختيار عنوان ستائرنا، هو انعكاس لما يخفيه هذا العالم الكائن بين الرجل والمرأة، هذا العالم السري الذي يختفي عن الأنظار، هناك أسرارا بين روحين تخفيه هذه الستائر، قد يكون وراءها عالم لا يشبه تماما ما يراه غيرهما، هناك من الأزواج من يعيشون في غربة روحية تامة لكنهم أمام المحيط والعائلة يظهرون وجها مختلفا عن الحقيقة، وحده عالم تخفيه الستائر من يملك سر الحياة الحقيقية التي تلف بروحيهما. ستائرنا قد تخفي الألم وقد تخفي الحب، في الرواية الستائر لها دوران، الأول حزين تمثل في فشل العلاقة الزوجية والثاني جميل نجده في علاقة الحب التي ستجد من خلالها البطلة الحب والسكينة.
كيف ترين واقع التأليف ببلادنا؟
** ليست لي خبرة في هذا المجال، إنني خارج الديار.. وعن تجربتي في الكتابة فتعلمت المغامرة والصبر والاستعداد لكل الاحتمالات، أهم شيء على الكاتب الحقيقي أن يصعد لوحده، أن يتسلق سلم النجاح لوحده، وحدها التشجيعات المعنوية من منحتني القوة، ما عدا ذلك لا يمكن الافتخار بالولوج إلى عالم الأدب إذا كان الواحد قد دعمته جهة أو فتح له باب ليس من حقه.
كانت تجربتي الأولى دخول مسابقة كتاب جامع قامت بها دار نشر نقطة بوك، شاركت بخاطرتين فزت من خلالهما وتم إصدار الكتاب، لما انتهيت من ديوان شعري والرواية فضلت أن أظل مرتبطة بدار النشر نفسها كونها منحت حرفي قيمته كما أن مديرها الشاب الطموح رضوان غضبان كان جديا في تعامله معي، محترما حتى لتواجدي خارج الوطن وما قد يسببه هذا البعد من تعطيل في الإجراءات. وبالمناسبة أوجه له كل التحية والشكر على مصداقيته وجديته في العمل.
بدأت الرواية الجزائرية تستعيد عافيتها..
** فعلا بدأت الرواية الجزائرية تظهر توجهها نحو شمس الأدب، الرواية الجزائرية لها ارتباط عميق بشخصية الجزائري الذي ينتمي إلى كينونة خاصة، الكاتب الجزائري يشبه الثائر الجزائري، قد يتوقف لمدة لكنه من أجل أن يقفز القفزة الرائعة، قد يأخذ برهة ليظهر للجميع أنه متوقف لكنه ليس بالنائم إنه يبني عناصر نهضته بوجه مختلف، بطريقة جديدة و سيمنحها رموزا قد لا توجد عند غيره، على غرار ملهمي محمد ديب فمثلا حينما تقرأ له الثلاثية الرائعة ( الدار الكبيرة والحريق والنول ) تجد معاني العبقرية أكثر وضوحا لديه، طغت شخصيات الرواية بشدة في حضورها على أرض الواقع النفسي للقارئ، وكان يرحل من خلال شخصيته الأدبية الرائعة من عالم إلى آخر مانحا كل مرحلة مميزاتها ومتطلباتها الراهنة حينما انتقل من الرواية صاحبة رسالة النضال إلى التوجه نحو العمق الفلسفي في ثلاثية الشمال الرائعة التي جسدت توجهه نحو طرح مسائل ارتبطت بالأسئلة الوجودية، وبالنظر إلى أعمال لكتاب معروفين صدرت تقريبا في نفس مرحلته نجد التفوق واضحا في اكتساب آلية التعبير عن أزمات الفرد العربي.
و أنا متأكدة أننا مقبلون على مرحلة ستشهد فيه الساحة الأدبية الجزائرية حضورا قويا لعالم الرواية، هناك إقبال رائع يظهر جليا نحو هذا النوع الأدبي الذي يشبه في تقنياته وجمالياته شخصية المبدع الجزائري الحامل للقلم.
*ما هي رسالتك للمرأة الجزائرية؟
** رسالتي تخص المجتمع بأسره وليست المرأة لوحدها، على المجتمع أن يرى الحقيقة، أن هناك وجع وخلل عظيم تعيشه العلاقة الزوجية يؤدي بالضرورة إلى إحداث تأثيرات سلبية على الأسرة والمجتمع، على الرجل أن يعترف بوجود هذا الخلل ويمد يده إلى أنثاه لينعما معا بالسكن الذي أراده الله لهما جميلا، على الرجل تحمل مسؤوليته الى النهاية وعلى المرأة أن لا تدفن أوجاعها، بل عليهما التخلي عن طابع الأنانية في العلاقة حينما تنقطع بهما السبل، عليهما أن يخرجا من النفق لا أن يحاول كل منهما أن يخرج منه لوحده ليظل الشريك الاخر قابعا لوحده في ظلامه.
وبخصوص المرأة عيها أن تكون أنثى حقيقية، والأنثى الحقيقية لها شروطها، أن تكون جوهرة تزينها الأخلاق والتدين السليم، أن تحسن التعامل مع محيطها، أن تضحي من أجل سعادة أسرتها لا من أجل تدمير نفسها، أن تتحمل مسؤوليتها كاملة، حينما تعجز المرأة عن منح كل الشروط الضرورية للزوج عليها أن تتخلى عن أنانيتها، إذا كانت غير قادرة على منحه الجنة عليها أن تسمح له بالبحث عنها، باختصار رسالتي واضحة إذا لم تكوني حديقة فلا تحرمي غيرك من البحث عن حديقته.
إنها رسالة الإسلام الأولى، بين الرجل والمرأة علاقة تبنيها الروح وتقويها المشاعر، خلقنا أنا وأنت لنكمل بعضنا لا لنوضع على الميزان، مصطلح المساواة بيننا طرح ليس سليما لأن الله لم يخلقنا لنتصارع ولتتساوى أذرعنا بعد ذلك…فحينما نبتعد يختل توازن الكون وتفقد روحنا معاني وجودها، نحن بدوننا ناقصين في حاجة أنا إليك وفي حاجة أنت لي، وحدنا الله لنكون وطنا واحدا وأمنا وسلاما.
*ما هي المواضيع التي تودين الكتابة فيها؟
** كل ما يخص مشاكل الإنسان الروحية، العلاقات الأسرية، معاناة المرأة، المعاناة الاجتماعية والإنسانية التي سببتها الحروب والخلافات السياسية، كل ما له علاقة بجراح الروح يجذبني ويجعلني أنحني لأقبل قلبه وأنقل ألمه.
*مشاريعك المستقبلية؟
** إنني بصدد تحضير لرواية جديدة تحت عنوان «الموج والبحر»، موضوعها التحديات التي يعيشها أبناء المهاجرين الذين ولدوا في فرنسا، تحديات الواقع وهم يصطدمون أمام عجزهم عن إيجاد مكان مشرف في المجتمع الفرنسي، كيف تصطادهم عوالم الانحراف بقوة لتصبح ثقافة قائمة لديهم ويعتبرونها بديلا مقنعا مقابل خساراتهم الحقيقية في الوصول إلى تحقيق وضع اجتماعي مناسب، تنشب حروب بين هؤلاء لتتحول إلى توابيت جثامين ستعود إلى أرض الوطن في الوقت نفسه الذي يعبر آلاف الحراقة البحر للوصول إلى نفس الأرض.
ولدي أيضا كتاب سيصدر قريبا إن شاء الله عبارة عن لمسات أو قراءات لروايات الكاتب مصطفى القرنة الأردني، وقد سبق وأن نشرت عدة مقالات في هذا المضمار تم نشرها في جريدة دنيا الوطن الفلسطينية.
* كيف ترين تعامل المغتربين بفرنسا مع الثقافة الجزائرية؟
** مسألة جد معقدة، تبدو البوصلة واضحة لدى البعض، ولدى آخرين قد تذبذب استقرارها فأتجه محركها نحو التطرّف والانحدار، بالمناسبة سؤال جميل لأنه سيكون موضوع رواية الموج والحشيش، حيث سأتطرق فيها إلى عمق البعد النفسي الذي يميّز كيفية تعامل الجزائري مع ثقافته الأصلية، المسألة ليست بالبساطة التي يتصورها البعض، وحدهم الكتاب والباحثون في علم النفس والاجتماع من يمكنهم الكشف عن تجاذبات هذه البوصلة ومدى تأثير ذلك على سيكولوجية الفرد وتعامله مع ثقافتين مختلفتين في الجوهر، كل ثقافة تطلب منه أن يتعلق بها أكثر وسط كم من التناقضات المتصارعة،فعلا إنها تجربة إنسانية تحمل الكثير من المعاناة والمعاني والرسائل.
* رغم الاغتراب، تستمرين في الكتابة..
** بفضل التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، عبر هذه الطرق يمكن للمثقف أن لا يفقد الأواصر التي تربطه بثقافته، هناك عالم شاسع له محيطات متعددة يشدك إلى ثقافتك ويعمق فيك تجربة وحب البحث عن عالمك الذي تسبح فيه بكل حرية، تغير العالم وصار فعلا قرية واحدة، فقط عليك أن تختار قريتك المفضلة لأنك ستجد فيها كل الكنوز التي تزين بها عالمك الخاص من علم وكتب وأدباء، وأصدقاء يبعثون في الروح حب الاستمرار والاكتشاف لما قد فاتك بحكم الغربة.