النخب، في السلطة أو خارجها، والسلطة بكل أدواتها في خدمة مجتمع. هذه قاعدة منطقية كثيرا ما نرددها، غير أن الواقع العملي يقول بوضوح إن النخب في تجربتنا السياسية «تسيّدتْ» على الشعب. ذلك ما لاحظه مثلا الاقتصادي وعالم الاجتماع السياسي الإيطالي ويلفريد باريتو، وهو واحد من أركان المدرسة الإيطالية لعلم الاجتماع السياسي وهو مبدع نظرية «دوران النخب»، وهو الذي لاحظ أن هناك «دورانا سريعا» للنخب في بلدان المغرب.
اليوم، وهو انشغال من انشغالات الرئيس تبون، كيف يمكن الوصول لتنظيم العلاقة بين النخب والمجتمع على أسس جديدة؟
في هذا السياق، ينبغي التمييز بين التنظيم الاجتماعي، باعتباره آلية وساطة، وبين التمثيل السياسي باعتباره آلية توكيل للحديث باسم مصالح فئة اجتماعية معينة في مؤسسة مثل البرلمان أو باقي المجالس المنتخبة. الأول تتولاه جمعيات ونقابات وهيئات مهنية ومصلحية والثاني تتولاه قوى سياسية، تقترح بدائل حلول لمشاكل الناس وتطلعاتهم وتتنافس للإقناع بجدواها.
في كل هذا ينبغي الخروج كلية من «تسيّد» النخب على الشعب والعودة لمنطق أن المسؤول يُسأل عن أعماله وفق آليات معلومة وثابتة وفاعلة، وذلك يأتي أولا من خلال «الترتيب المؤسساتي» الذي يضعه الدستور ويأتي ثانيا من قبل التشريع القانوني الذي ينبغي أن يتكيف مع محتوى الدستور الجديد بعد المصادقة عليه في الاستفتاء المقبل ومع منطقه وغاياته.
طبعا طبيعة الحكم كما كان وطبيعة الممارسة السياسية، التي ابتعدت كثيرا عن الرشد والرشادة، وغرقت في منطق الولاء الذي عمّم الرداءة، كان من آثارها السلبية أنها كسرت آليات الوساطة الاجتماعية ولم تقم آليات الوكالة السياسية الممنوحة من الناس على أسس شرعية، وصارت النخب ممثلة لتقدير ظرفي للسلطة وليس تعبيرا عن مختلف الفئات الاجتماعية ومطالبها وتطلعاتها. وزاد الطين بلة أن سادت حرية هوجاء للمال، وهو في الغالب مال عمومي تمت خوصصته وفق تقدير سلطوي وليس تنموي ولا اقتصادي.
الآن مثل هذه الثقافة ينبغي أن تجد مكانها في الساحة وأن تُنقل على أوسع نطاق، لأن برنامج التغيير طموح جدا وفي حاجة لطاقات كثيرة واعية بالتحديات وقادرة على تفكيك طلاسم نظام، افتقد للرشادة، وبناء آخر على أسس قطيعة واعية منظمة وفاعلة.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.