لمّا انتفض الماليون ضدّ الرئيس المطاح به ابراهيم بوبكر كيتا في الرّبيع الماضي، وحاصروه باحتجاجات ألهبت شوارع العاصمة باماكو، وضعنا أيدينا على قلوبنا خشية انزلاق الوضع بهذه الدّولة التي تعيش هشاشة أمنية كبيرة، واستغلاله من طرف التنظيمات الإرهابية المستقرّة هناك لتصعيد جرائمها ومذابحها التي لم تتوقّف يوما، وارتفعت حدّة مخاوفنا لمّا رأينا العسكر يركب الغضب الشعبي ويقتحم القصر الرئاسي ليحلّ محلّ الرئيس المقال.
عادت بنا عقارب السّاعة إلى الانقلاب العسكري الذي أطاح في مارس 2012 بالرئيس أمادو توماني توري، وما تلاه من فوضى أمنية فتحت أبواب جهنّم على البلاد ووضعتها في قبضة الدمويين، ومنحت المبرّر للتدخّلات العسكرية الغربية التي لم تزد الأمور إلاّ تدهورا، خاصّة التدخل الفرنسي الذي لم يقدّم شيئا لاستتباب الأمن بمالي، بل على العكس تماما، حيث زاد النشاط الإرهابي ومدّد جغرافيته إلى الدول المجاورة وتضاعفت أعداد ضحاياه بشكل رهيب.
المخاوف التي أثارها انقلاب 18 أوت الماضي، ثمّ سيطرة العسكريين على السّلطة، أخذت تتبدّد شيئا فشيئا بعد أن ألقت الدبلوماسية الجزائرية بثقلها لتتحكّم بخيوط هذه الأزمة قبل أن تعبث بها أيدي المتآمرين على أمن واستقرار المنطقة، وفعلا تمكّنت الجزائر التي تحظى بثقة كبيرة لدى الجار الجنوبي، من إقناع الانقلابيين باستعادة النظام الدستوري، وتعيين رئيس مدني انتقالي وحكومة مفتوحة على جميع الاطراف والفرقاء الماليين.
لقد تمّ إشراك المعارضة المنضوية تحت لواء «5 جوان» التي قادت الاحتجاجات الأخيرة، وممثلين عن الحركات الموقعة على «اتفاق السلم والمصالحة « المنبثق عن مسار الجزائر، في الفريق الحكومي الانتقالي لأوّل مرّة مند 2015، ومن شأن هذه المشاركة أن تبعد شبح الإقصاء والتهميش الذي يفرّق الصفوف ويزرع الأحقاد والضغائن، وتضع بنود الاتفاق حيّز التطبيق كونه الطريق الوحيد للمصالحة واستعادة الوحدة.
إلى غاية الآن يبدو الوضع في مالي ماض في الطريق الصحيح، لكن التفاؤل باستقرار وشيك يبقى حذرا بالنظر الى التجارب السابقة التي صدمتنا في كل مرة بأطراف خبيثة، معاولها جاهزة بين أيديها لضرب كلّ تقدّم تشهده هذه الدولة لبلوغ برّ الأمان.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.