كان خبرا يشبه المزحة أو النكتة، الفنانة اللبنانية نجوى كرم «تنبهر» بصوته المغني الجزائري عبد العزيز بن زينة، وهو من هو في عالم موسيقى «المالوف». ولم يكن بن زينة في تلك الواقعة إلا مرشحا يطلب ودّ لجنة التحكيم الرباعية في برنامج «ذا فويس سينيور»، وهم يديرون ظهورهم إلى المتسابقين ولا يلتفتون إلا لمن أعجبهم صوته.
وانقسم المعلّقون والمغرّدون بين منتقد للفنان القسنطيني، لأنه «نزل بمستواه» من أحد رموز الموسيقى الأندلسية في صيغتها الإشبيلية، ليتحوّل إلى مجرد «تلميذ» في مدرسة فنانين أقل منه شأنا مهما بلغ مستواهم، ومدافع عنه وعن حقه في طلب شهرة إضافية، في زمن شبكات التواصل الاجتماعي التي جاءت في زمن غير زمنه، فكان لابد له من الاستدراك بالوسائل المتاحة وفي إطار المعقول.
لم يكن بن زينة استثناء في عالم الرقمية الجديد هذا، حيث اختلط فيه صوت العالم بصوت «العامّي»، بل أن أصوات العوام أصبحت أقوى وأكثر ضجيجا، ولم يعد أمام ممثلي النخب القديمة من خيار إلا التواري خلف الأضواء والموت في صمت، أو دخول «المعمعة» باصطناع أساليب جديدة بحثا عن نقرات مشاهدة أو تعليق أو حتى إعجاب بسيط.
لقد حدث لبعض الفنانين والكُتّاب الذين كان محبّوهم لا يرونهم إلا من خلال إصداراتهم أو من وراء شاشة التلفاز، أو بين سطور أحداثهم في الجرائد الورقية، إلى ما يشبه ثور «الكوريدا» الإسباني، الذي يثار عند مشاهدته اللون الأحمر، فلا يتوقف عن سعي إلا ليبدأ آخر حتى يسقط مغشيا عليه ويستسلم لقدره المحتوم.
إنها الفتنة التي جعلت كثيرا من الشعراء والفنانين لا يترددون في اتباع أصوات العامة من الناس، ولا يتردّدون في الخوض في كل شأن، وكأن المطلوب منهم هو تسجيل موقف يومي في قضايا عابرة في وقت أهمل فيه كثير منهم دوره الحقيقي ولم يعد يصدر عملا فنيا واحدا.
صحيح أن الأضواء ضرورة لكل فنان، لا يعيش بمعزل عنها، لكن الاقتراب أكثر من دائرة الضوء، لا يختلف مصير صاحبه عن مصير فراشة المصباح..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.