في يوم عيد الصحافة يغادرنا قلم من أقلام «الشعب»، الذين عاصروا فترة من أصعب فترات تحول الصحافة من «الأحادية» إلى «التعددية الإعلامية»، وفي فترة كان الصحفيون فيها يترقبون الآتي، بكثير من الأمل.. والألم الذي رافق البلاد، بعد ثلاث سنوات تقريبا من إقرار التعددية السياسية والإعلامية.
الراحل مختار سعيدي، واحد من الذين احتكوا بصرير القلم وحفيف الأوراق في تلك الفترة، التي كانت فيها الكلمة مهدّدة، ليس من سياسيين خرجوا من رحم «الأفلان» وأسسوا أحزابا، أو آخرين أخرجوا نشاطاتهم السرية إلى العلن، ولا من زملاء اختاروا الخروج من صلب «الشعب» والمجاهد و»الثورة الإفريقية والوحدة، وغيرها من عناوين زمن الحزب الواحد لإنشاء صحف ويوميات..
بل كان التهديد قادما من عالم «محشوشة» قطعت أنف «الماسورة»، ولم تعترف لا بمقاييس الفيزياء، ولا بالمتعارف عليه في السياسة وإدارة الشأن العام. التهديد لم يكن عبثيا ولا عشوائيا، بل كان يستهدف من البداية رؤوس الأقلام بمبراة الجهل، ويقطف زهور عقول، حتى قبل أن تقول لحاملي المناجل: الله أودع فينا أمانة، ليس لكم حق إطفاء شعلتها..
تلك الأيام، التي لا لون لها، وإن صُبغت باللون الأحمر، تبقى شاهدة على جيل من الصحفيين، قاوم بالقلم، ورقابُ كثيرين كانت متاحة لـ»المحشوشة»، ممن اختاروا البقاء في الأحياء الشعبية، مثل سعيدي، حيث يمُر رواد الليل، وضحاياهم تعلوا قائمة الصحافيين ضحايا الإرهاب، ناهيك عن من استوطنوا إقامات أمنية..
عندما أتذكر مختار سعيدي، الذي أعرفه من تلك الفترة الحالكة، في عمر أي صحفي عايش تسعينيات القرن الماضي، بكل مخاوفها وحشرجاتها، وثقوب الأمل، فيها ومنها.. أردد، مثلما كان يقول المرحوم طاهر جاووت: إذا قلتها ستموت، وإذا لم تقلها ستموت، قلها إذن ومُت..