منذ أيام، وصنّاع القرار السياسي الفرنسي يعيشون شبه دوامة، باتت تتصدر المشهد العام بعد سلسلة أحداث تحتاج إلى تحليل معمق لفهم سياقها ومآلاتها ودلالات زمن حدوثها، في وقت تشهد الدول إغلاقا امام حركة الاشخاص هو الأول في التاريخ بفعل جائحة «كوفيد.19 «، جعل المواطن يكتفي بالمتابعة دون معايشة الواقع لمعرفة الوضع عن كثب.
في 21 أوت الماضي، أطاح الجيش المالي بمساندة الشعب، بالرئيس أبوبكر كيتا بعد أسابيع قليلة على انتخابه لعهدة رئاسية جديدة، وهو ما أحدث هلعا في قصر الإليزيه الذي لم يهضم هذه الخطوة، ولجأ بكل الطرق الى معارضة الإرادة الشعبية، لكن تلك المساعي فشلت، لأن إرادة الشعوب لا تقهر، وفهمت فرنسا جزءا من دواليب السلطة الجديدة في بلد كانت تعتبره تابعا لجمهوريتها.
في الثامن أكتوبر الجاري تلقى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون صفعة جديدة دوّت في أصقاع التراب الفرنسي، بعد ان أعد العدة لتنظيم احتفال قال إنه بهيج لاستقبال الرهينة الفرنسية صوفي بترونين المفرج عنها في مالي، غير ان الصدمة كانت اكبر بعد ظهور المواطنة محجبة، وقالت لرئيسها: «نادني مريم… لقد اعتنقت الإسلام».
موقف محرج وقع فيه سيد الاليزيه أمام عدسات المصورين، ألغى بعده خطابا كان مبرمجا للتأكيد على استمرار الحرب على الارهاب في منطقة الساحل.
تلك الحادثة غيّرت الصورة النمطية حول الوضع في منطقة الساحل، وأكدت بما لا يدع مجالا للشك، فشل الدعاية الفرنسية الاستعمارية باستخدام الإرهاب فزاعة لاستمرار التواجد العسكري في مالي وغيرها من المستعمرات السابقة.
ثمار خطاب الكراهية وسياسة البراغماتية الخبيثة التي تزرعها فرنسا حان وقت قطافها، لأن ما بني على أوهام الاستعمار القديم مآله الزوال.
تغطية صناع القرار الفرنسي لسياسات فشلهم بشن حرب على الإسلام دعاية مفضوحة، والتشبث بإرث الماضي غير كاف لتحقيق العظمة على حساب الضعفاء. السؤال المطروح: متى تفهم باريس ان ما حدث ويحدث من وقائع يؤكد حسب الفكر الخلدوني «أن بداية انهيار الدولة في الطريق».