اتفاق السودان واسرائيل على تطبيع علاقتهما لم يكن حدثا مفاجئا لأحد. فالمعطيات كلها تشير إلى أن هذه الدولة التي مرّت عليها سكاكين التقسيم عام 2011 وأسقطتها من الريادة كأكبر دولة مساحة في أفريقيا، ماضية لتكون البلد العربي الخامس بعد مصر والأردن والإمارات والبحرين الذي سيقيم علاقات رسمية معلنة مع الكيان الصهيوني، خاصة بعد أن مهّدت الولايات المتحدة الطريق أمامه ليقطع هذه الخطوة المثيرة للحرج والخجل ووضعتها كشرط لرفعه من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
يوم الأربعاء الماضي، تجلى واضحا أن السودان على قرب ساعات من تطبيع علاقته مع إسرائيل، وذلك بعد أن أعلنت إدارة ترامب أنها بصدد رفعه من قائمة الإرهاب التي قايضتها بدفع ما ترتب عليه من عقوبات مالية بلغت 335 مليون دولار، وبركوب قطار التطبيع.
ومن الواضح جدا، أن السودان لحق بركب المطبّعين البائسين مرغما لا بطلا، حيث استغلت أمريكا وضعه الاقتصادي والاجتماعي الصعب، والعزلة السياسية التي يعيشها على المستوى العالمي بسبب إدراجه على قائمة الارهاب منذ أكثر من عقدين، وفرضت عليه رفع اسمه من هذه القائمة السوداء وعودته إلى المجتمع الدولي واستفادته من فرص الاستثمار والتعاون والتنمية، مقابل الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات معها، ووجد السودان نفسه تحت سوط «سياسة العصا والجزرة»، وبين كماشة «حكم القوي على الضعيف»، فرضخ للأمر الواقع، يلاحقه شعور الضّعف والانكسار، لأن القرار الذي اتخذه يمثل ضربة خنجر في خاصرة القضية الفلسطينية التي لم تعد على ما يبدو قضية العرب لا الأولى ولا حتى الأخيرة، بعد أن انفضّ عنها الجمْعُ، وانشغل كل واحد بالبحث عن مصالحه دون أن يلتفت إلى العهود والوعود والالتزامات التي تحولت بالنسبة للكثيرين إلى قيود وجب كسرها، ليسقط الكلّ في شرك التطبيع الذي أحكم ترامب نصبه ولتبحث القضية الفلسطينية عن غطاء غير الغطاء العربي، وعن حلول بعيدة عن الأشقاء الذين خانوا العهد، ولتتركهم للأيّام وسوف يحصدون أشواك التطبيع، فمن يمد يده لإسرائيل لن يسحبها إلا مخضبة بالدّماء.