من يشتري ثلاثة لترات لبن وخمسة عشر خبزة، هذه الأيام، لا تحسبوه من هواة اللبن، أو صاحب «زردة» أو «قعدة» في البيت، طالما أن هذه الصورة تتكرر يوميا مع هذا المواطن، الذي يسعى كل يوم لرفع قدرته الشرائية، التي نسفتها كورونا، حتى لا تقوى على شراء كيلوغرام بطاطا ورطل جزر وحبات طماطم، وشيء من السلق..
تاجر متنقل، لا يقوى على تحمل مصاريف قوائم أدوات مدرسية، من فرط هبوط دم البيع في شرايين تجارة الألبسة، يحلف بالله أن ظاهرة لجوء «فقراء» إلى اللبن والخبز، و»العيش على هذا، فقط»، تتكاثر أمام عينيه يوميا. يذكر الرجل بمرارة كيف أنه يلجأ إلى هذه الطريقة في إسكات جوع خمسة بطون تجالسه إلى طاولة سكن اجتماعي استفاد منه عشية الحجر الصحي، الذي لم يُبق في خزينته غير ثلاثة ملايين سنتيم، هي رأسمال تجارته في الألبسة.. يقول إنه لمّا يبيع سروال جينز «يأكل، وإلا يستلف من أقرب الناس إليه»..
هي صورة لمن يعيشون في جزائر عميقة، في مناطق معزولة، نائية، أو مناطق ظل، مثلما يسميها الخطاب السياسي، قد لا يراها من قفزت إيراداتهم من صفر دينار إلى ملايير، من أثرياء التسعينيات وما تلاهم من أثرياء بفرقعة أصابع من الذين يحاكمون على أساس «منح امتيازات غير مستحقة»..
وقد لا يراها من لم تُصبهم تداعيات «كورونا»، المادية- المالية، من فئات، تشتري «فيريرو روشي»، وغيره من كماليات التغذية.. نسيت أن الفقر، ليس تهمة، ولا مرتبة اجتماعية تترفع عنها أو تسقط فيها، من فئات لم يركب نسلها حافلة، ولم يتزاحم في طابور سيارات أجرة بـ»البلاصة»..
هو واقع تنسلخ منه صورة (صورة حامل اللبن والكثير من الخبز)، قد يبحث عنها مصور محترف، وقد يستغلها سياسي يوزع الوعود على رماح الكلمات، وقد يستغلها باحث عن ستر عورات الآخرين، مثلما تفعل جمعيات خيرية.. وقد يبحث عنها شيخ بلدية لا يرضى أن يكون في رعيته شخص ينام ويصحو على لون واحد، ومذاق واحد..