عامل مشترك هو الذي يؤجّج الخلافات والنّزاعات المتفجّرة هنا وهناك عبر أرجاء المعمورة، ودونه ما كان لنهار سوريا أن يتحول إلى ظلام حالك طيلة عقد من الزمن، ولا لهدوء ليبيا واستقرارها أن يغدو فوضى أمنية واحتراب داخلي، ومثلهما العراق الذي غرق في العنف والإرهاب، واليمن التعيس الذي وقع فريسة بين رحى الحرب بالوكالة.
العامل المشترك هذا، الذي تحول إلى سيف مسلّط على رقاب شعوب كثيرة، هو التدخلات الخارجية التي تنفخ جمرة أيّ خلاف أو نزاع صغير وتحوله في وقت وجيز إلى نيران ملتهبة حارقة لا تترك وراءها غير بلدان مدمرة وشعوب جريحة تبحث عن الأمان في الملاجئ والمنافي دون أن تجده.
إنّ التوترات التي يشهدها العالم، ما كان لها أن تتفجّر إلى حروب مسلّحة لولا أن بعض الدول وضمن ما يسمى بصراع المصالح والتنافس على اقتسام الغنائم، ووضع القدم واليد على المناطق الإستراتيجية التي تزخر بالثروات، تتعمّد ركوب أي أزمة وتأجيجها بتأليب أطرافها بعضهم على بعض وتغذّيتها ليس فقط بالسّلاح، بل بالمرتزقة والإرهابيين الذين نراهم ينقلون من مكان إلى آخر لأداء نفس المهمة القذرة، فبعد تدمير بلاد الشام والرافدين، تم تحويل آلاف الدمويين نحو ليبيا ومنطقة الساحل لتنشأ واحدة من أخطر مناطق التوتّر في العالم، كما نشهد منذ شهر نقل أعداد كبيرة ممّن يلقّبون بـ «المقاتلين الأجانب» لتأجيج نزاع إقليم كاراباخ، وغدا قد تكون وجهتهم دولة أخرى، ما يعكس توجّها جديدا في سياسات التدخل، إذ لم تعد الدول ترسل جيوشها لتحارب في الخارج، بل تكتفي بتجنيد وتعبئة الإرهابيين والمرتزقة، وهناك من يلجأ إلى خدمات قوات شبه عسكرية خاصة مثل قوات «فاغنر» الروسية في ليلبيا.
من هذا المنطلق، يمكن الجزم بأنه لا يمكن الحديث مطلقا عن حلول سياسية سلمية للأزمات التي تعصف بالكثير من الدول ما دامت التدخلات الخارجية مستمرة في تغذيتها بالوقود اللازم لاستمرارها مشتعلة.