الانتخابات الأمريكية تهم كل الدنيا وخيار الأمريكيين أثره على كل الدنيا، اقتصادا ونظاما دوليا وآليات القرار فيه.
عندما نتحدث عن الانتخابات الأمريكية، فإن الأذهان تذهب مباشرة للمفاضلة بين ترامب وبايدن، وفعلا فإن هناك ميل غالب لدى الرأي العام في الكثير من مناطق العالم باتجاه الديمقراطي بايدن، لأن رؤيته للعلاقات الدولية أكثر هدوءا وأكثر واقعية وتوسع من فضاء الحوار ومن فرص التوافق وحتى شيء من الإنصاف.
ولكن مع ذلك ينبغي الانتباه أن العلاقات الدولية تحكمها أولا وقبل كل شيء موازين قوة، وهي كانت مختلة قبل ترامب وازدادت اختلالا معه، ولا يمكن التأثير في العلاقات الدولية إلا من خلال فعل واعٍ واستراتيجية حقيقية لبناء موازين قوة جديدة، وذلك من خلال تعزيز عوامل القوة الذاتية ومن خلال قراءة معطيات مكونات الوضع الدولي قراءة سليمة وفاعلة.
إن من يتوقع أن إدارة أمريكية أخرى ستتراجع عن قرارات الإدارة السابقة بخصوص فلسطين قد يصاب بخيبة أمل كبيرة، لأن آليات اتخاذ القرار في الإدارة الأمريكية ليست بالبساطة، التي يمكن أن يتصورها البعض وأن الرئيس الجديد، أي الديمقراطي بايدن، لن يكون بالضرورة أقل موالاة لإسرائيل، حتى وإن كانت إدارته للملف مختلفة.
ينبغي التذكير أن الرئيس في النظام الأمريكي ليس صاحب القرار الوحيد وأن التعامل مثلا مع مسألة فلسطين تتدخل فيه عوامل كثيرة ومنها اللوبي الصهيوني ومنها ضعف العرب وأزماتهم، لاسيما منها أزمة التبعية وأزمة الشرعية التي تأتي غالبا من الخارج.
القرار العربي هوامش الحرية والاستقلال وحتى الاستقلالية فيه محدودة جدا، والنتيجة أن موازين القوة مختلة بشكل عميق، وتغييرها يستوجب تغيير العلاقة بين السلطة والشعوب في هذه البلدان، ويستوجب توظيف الثقل الشعبي توظيفا كاملا. ذلك نعلم أنه ليس متاحا اليوم، بل أن الأمور سارت بالاتجاه العكسي والتطبيع يتوسع وموازين القوة تزداد اختلالا ولا يمكن الاعتقاد أن الرئيس الأمريكي يمكن أن يتجه لتصحيح هذه الاختلالات وسيكون في غالب الظن براغماتيا وسينحاز بكل تأكيد لمصالح أمريكا، وذلك تحصيل الحاصل وعلى من أراد غير هذا أن يشحذ عوامل القوة الحقيقية أي توظيف الثقل الشعبي توظيفا حرا وسليما.