سأتناول بالتحليل في هذه المقالة قضية أساسية أعتقد أنّها لم تأخذ ما تستحق من الاهتمام والنقاش في وسائل الإعلام الوطنية المكتوبة والمرئية والمسموعة رغم أهميتها البالغة، ومركزيتها في نمط عيش المواطن وسلامته وفي استدامة مقدرات الدولة وقوَّتها.
يتعلَّق الأمر بدَسْترة الحق في بيئة سليمة، وفي المحافظة عليها ضمن مسودَّة الدستور المزمع الاستفتاء عليها في 01 نوفمبر 2020.
فاللَّافت أن المشرّع أضاف مجموعة من المبادئ والمواد الجديدة التي ترتبط بهذا الحق لم تشِر إليها الدساتير السابقة، وذلك إدراكًا منه أن توسيع حقوق المواطن ليشمل الحق في بيئة سليمة وعيشٍ لائقٍ يتوافق مع ما تقرّه المواثيق والعهود الدولية والإقليمية، ويتماشى مع مقتضيات التنمية وحماية الوسط الطبيعي من الأخطار البيئية، ويراعي التحولات المناخية، بالإضافة إلى رفع مستوى معيشة السكان وتوفير الظروف الملائمة لممارسة أعمالهم وحماية ممتلكاتهم.
وخصوصًا أن العالم يعيش حالة انحلال بيئي وتدهورٍ في النظم الإيكولوجية ناتجة عن استنزاف الموارد الطبيعية والاحتباس الحراري والتلوث والتصحُّر والاستهلاك المفرط، وغيرها من العوامل التي باتت تترك آثارها على مستويات محلية وعالمية. وفي ذلك، فإنّنا نرى أن حرص المشرّع على دسترة «حق المواطن في بيئة سليمة في إطار التنمية المستدامة، وأن القانون يحدّد واجبات اﻷشخاص الطبيعيين والمعنويين لحماية البيئة» (المادة 64) ينطوي على أبعاد استراتيجية تمسُّ الدولة والمجتمع، وتستوجب مجموعةً من الإجراءات والتدابير الجديدة تفصح عنها فيما بعد – في حالة اعتماد هذه التعديلات – القوانين العضوية والتشريعات القانونية. فالحاصل أن الجزائر وعلى الرغم من أنها سنَّت بعد استقلالها العديد من القوانين والمراسيم التنفيذية، واعتمدت اتفاقيات وبروتوكولات تعاون متعدِّدة لحماية البيئة والموارد الطبيعية واتقاء أشكال التلوث وتحسين إطار المعيشة ونوعيتها، وكذا التعليمات التقنية والتنظيمية المتعلقة بالحفاظ على التوازنات الطبيعية ومكافحة الزحف الصحراوي، إلا أن الاهتمامات البيئية هذه لم تدرج في أيٍّ من الدساتير المتعاقبة، وكان يجب الانتظار إلى غاية التعديل الدستوري في 2016 حتى تُخصَّص للبيئة مكانتها من خلال المادتين 19 و68. ولكن مسودة التعديل الدستوري 2020 تضيف لهاتين المادتين مجموعةً من العناصر والمبادئ تُعطي للحق في بيئةٍ سليمة أبعادهُ الشاملة والمتكاملة والاستراتيجية التي نذكر منها:
التنمية المستدامة: أضاف المشرِّع في مسودة التعديل الدستوري 2020 في البند الأول من نص المادة 64 (68 سابقا) مصطلح «التنمية المستدامة» (للمواطن الحق فيبيئة سليمة في إطار التنمية المستدامة) لتصبح القضية البيئية قضية تنموية تدخل ضمن الاقتصاد السياسي للدولة، وضمن أجندات السياسات العامة والمشاريع التنموية والاستثمارات الموجهة للمستقبل، العمومية أو الخاصة منها.
ولأنّ الاستدامة تشير إلى تحقيق احتياجات الراهن دون الإضرار بمقدِّرات الأجيال اللاحقة، فيُفهم من ذلك أن التشريعات والتنظيمات واعتماد النماذج الاقتصادية مُجبرَة على تحقيق التوازن بين متطلبات التنمية وبين حماية البيئة، وعلى بناء اقتصادٍ بديل يتجاوز اقتصادًايعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على عائدات الموارد الطبيعية كالنفط والغاز الطبيعي والمنتوجات الزراعية والموارد المعدنية، وقد صرّح مؤخرا وزير الطاقة عبد المجيد عطار للإذاعة الجزائرية بأن الجزائر استهلكت لحد الآن نصف ثرواتها الباطنية المكتشفة من البترول والغاز، وهو ما يجعل ورود هذه الصياغة ضرورة تلبّي حفظ الأمن الطاقوي وترشيد موارد البلد.
كذلك، مسَّت التعديلات المقترحة تسمية «المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي» إلى «المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي»الذي «يتــولّى على وجه الخصوص، مهمة: توفير إطار لمشاركة المجتمع المدني في التشاور الوطني حول سياسات التنمية اﻻقتصادية واﻻجتماعية والبيئية في إطار التنمية المستدامة» (المادة 210)، وهو ما يعني أن متابعة التحولات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع وإنجاز الدراسات حولها لا تنفصلعن التحولات الطارئة على مستوى الوضع البيئي، وأن تحقيق التنمية يمرُّعبر سياسات مترابطة ومتكاملة بين هذه المجالات.
احترام المواثيق والمعاهدات الدولية: تتماشى دسترة هذا الحق مع الجهود الدولية لتوسيع حقوق الإنسان وحفظ وجوده، وتتوافق مع المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية التي تحرص على تنظيم الوضع البيئي العالمي وتنمية المحيط المعيشي للإنسان.
أشارت الفقرة الإضافية المقترحة ضمن الديباجة إلى أن «الشعب الجزائري يعبّر عن تمسكه بحقوق اﻹنسان المنصوص عليها في اﻹعلان العالمي لحقوق اﻹنسان لسنة 1948، واﻻتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر».
فقد ورد في من الميثاق العربي لحقوق الإنسان «لكل شخصٍ الحقُّ في مستوىً معيشي كافٍ له ولأسرته ويوفّر الرفاهية والعيش الكريم من غذاءٍ وكساء ومسكن وخدمات وله الحق في بيئة سليمة وعلى الدول الأطراف اتخاذ التَّدابير اللَّازمة وفقًا لإمكاناتها لإنْفَاذ هذه الحقوق»(المادة 38)، وأيضا «مكافحة عوامل التلوث البيئي وتوفير التصريف الصحي» (المادة 39)؛ وورد في الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان «لكل الشعوب الحق فى بيئةٍ مُرْضِية وشاملة ومُلائمة لتنميتها» (المادة 24). وعليه، تأتي التعديلات الدستورية المقترحة في هذه المسودة لتكريس هذا الحق البيئي الذي لا يقل أهمية عن باقي الحقوق المدرجة.
وفي اعتقادنا أن روح هذه التعديلات، وكما هي موجَّهة نحو تحقيق قوة المجتمع والدولة داخليا من خلال ضمان حقوق المواطنين وتحقيق التوازن بين السلطات (وهو ما درجت على مناقشته التعديلات الدستورية السابقة)، فهي موجهة كذلك للبيئة الخارجية في غاية لجعل الجزائر تستعيد نفوذها ودورها الإقليمي أو العالمي، وأن تسهم في إثراء النصوص القانونيةوالجهود الدولية لحماية البيئة في عصر تعولم المخاطر التي لم تعد تفصل بين النطاقات المحلية والعالمية.
تحقيق الأمن المائي والغذائي: نتيجة ما تشهده الطبيعة من نقصٍ في الموارد المائية العذبة وتقلٌّص في مساحة الأراضي الصالحة للزراعة والمساحات الغابية، إذ تشير بيانات الهيئات الأممية إلى أن العالم خسر منذ 1990 حوالي 420 مليون هكتار من المساحات الغابية، وأن أكثر من 690 مليون شخص يعانون الجوع أغلبهم من النساء والأطفال وما يزيد على 844 مليون شخص يفتقرون إلى خدمات مياه الشرب الأساسية وإلى ارتفاع مساحات التربة التي تعاني من الملوحة، وأن حصة نصيب الفرد في المياه العذبة تتراجع بحدة إلى أقل من 1000 م3 وأقل من 500 م3 في السنة في حين أن النسبة المطلوبة تتراوح ما بين 3000/4000 م3 في السنة، يؤكد خبراء الاقتصاد والتنمية على أن المياه والأغذية أصبحت موارد استراتيجية و»سلعًا» ثمينة يجري – وسيجري – التنافس عليها بسبب انخفاض معدلات هطول الأمطار، ونمو السكان وزيادة الطلب الاستهلاكي وتلوث المياه الجوفية. ويدرك مشرع التعديلات الدستورية 2020 هذه الحقائق، فأدرج مجموعة من البنود التي تؤمِّن المواطن من مشكلة ندرة المياه وتحفظ الموارد وتعقلن استغلالها وتحمي الأراضي الزراعية. وأوكل تلك المهام إلى الدولة بحيث تسهر على «تمكين المواطن الحصول على ماء الشرب، وتعمل على المحافظة عليه للأجيال القادمة» (المادة 63)، وعلى «حماية الأراضي الفلاحية، واﻻستعمال العقلاني للمياه والطاقات اﻷحفورية والموارد الطبيعية الأخرى، وحماية البيئة بأبعادها البرية والبحرية والجوية، واتخاذ كل التدابير الملائمة لمعاقبة الملوِّثين» (المادة 19). وانطلاقا من ذلك، يتوقع –أو يفترض- أنه في حالة اعتماد هذه التعديلات أن تنبثق قوانين ولوائح تنظيمية تكمّل جهود الدولة في توفير الماء الصالح للشرب وتوسيع الربط بأنابيب المياه على مستوى الأرياف والمدن (تعرف الجزائر حالياً معدل ربط يزيد على 98 % بشبكات المياه الشروب) وزيادة بناء السدود واستصلاح الأراضي الزراعية ومكافحة التصحر وإنجاز محطات التطهير…إلخ.
وإنّ مصطلح «التنمية المستدامة» الذي أضافه المشرع في نص المادة 64 يشجع على إضافة قوانين جديدة ستحدد على سبيل المثال كيفيات استعمال الأسمدة الكيميائية، والاستخدام الصناعي للمياه، وطرق استعمال الشركات والمصانع للموارد الطبيعية، وشروط احترام البيئة في المشاريع المختلفة. قوانين تشجع على الانتقال من تركيزالاعتماد على المواد النفطية إلى استخدام الغاز الطبيعي، وتشجع المقاولات الناشئة المهتمة بالتدوير وحماية البيئة، وتدفع إلى وضع الجوائز الوطنية لأحسن الأبحاث والاختراعات التكنولوجية في هذا الميدان، وإلى ترشيد الاستهلاك ومحاربة التبذير، وفرض الضرائب على ممارسات التلويث والهدر، وتعديل هيكل وعتاد المؤسسات والشركات لتستجيب لشروط حماية البيئة.
كما تسهر الدولة، بالشراكة مع الشركات الناشئة الخاصة الوطنية أو الأجنبية، على توفير تقنيات جديدة تركز بالأساس على: تقنيات ترشيد التربة والاستصلاح التقني للأراضي غير المستصلحة (الأراضي المالحة والقلوية، الأراضي الرملية على الشواطئ والأراضي المتصحرة وبعض الأراضي الجبلية)، وتقنيات ترشيد المياه العذبة وزيادة توفيرها، وتطويرأنظمة حشد وتحويل المياه السطحية والباطنية تحلية مياه البحر، وتقنيات صناعة بدائل الصلب، وتقنيات ترشيد مصادر الطاقة التقليدية وإيجاد بدائل لها، وتقنيات خفض التلوث، تقنيات استعادة وتحسين البيئة، والإسراع في الولوج إلى عالم الزراعة الذكية، وتطوير أنظمة البيطرة والعلاج…
وهي كلها تحسينات ستنعكس كلها إيجابا على الأمن الغذائي للسكان. ونعتقد انه كان في وسع المشرع إضافة بند يتعلق بـ «تسهر الدولة والمجتمع على إيجاد وتوفير التقنيات المتطورة لحماية البيئة وترشيد الاستهلاك وترشيد الموارد واستعادة البيئة الايكولوجية».
فمسألة الأمن الغذائي والمائي باتت ترتبط بشكلٍ وثيق بالتطوير التكنولوجي وبأشكال التنمية المستدامة. هذا وقد أثبتت جائحة كورونا كيف أن المواد الغذائية والمياه المعدنية غَدت مواد استراتيجية تُنقل في الطائرات العسكرية وتمسُّ مباشرة بأمن المواطنين وسيادة الدول، وكيف أن الجزائر تعرف حالة اكتفاءٍ ذاتي وحتى مستعدَّة للتصدير في هذه الظروف. ويستطيع أيّ شخص يزور عواصم عربية أو أوروبية أن يلاحظ ارتفاع ثمن المياه المعدنية وأن غالبيتها مستورد من دول أجنبية بالعملات الصعبة.
تجنب النزاعات وتحقيق الاستقرار: يجمع العديد من خبراء الدراسات الاستراتيجية على أن الحروب والنزاعات المستقبلية ستكون على الماء وامتلاك الأراضي الزراعية الخصبة أو المساحات الغابية، وعلى مناطق الثروات الحيوانية والسمكية.
وهي ما يمكن أن نصفه بـ «النزاعات الكامنة غير المسلحة». حقيقة بدأت تعيشها بعض الدول الإفريقية، لذلك سيصبح الماء بالفعل الذهب الأزرق وسلعةً استهلاكية ثمينة، وستصبح الأراضي الخصبة والمنتوجات الزراعية موارد استراتيجية ذات تداعيات جيوبوليتيكية ومعيشية. وفي ذلك، تشكِّل دسترة الحق في البيئة السليمة وحماية الوسط الطبيعي نوعا من «أمننة الموارد» وتحقيق الاكتفاء الغذائي والرفاهية، والاستقرار والسلام، وخصوصًا إذا ما علمنا أن العديد من حركات الهجرةالإفريقية ما عبر الصحراء ناتجة عن شح هذه الموارد وانعدامها وتدهور الأوضاع المعيشية وخسارة الدخل بفعل الجفاف وارتفاع الحرارة والتصحر وفقدان الماشية والمناطق الرعوية ()، وتتسبب ظاهرة اللجوء المناخي هذه في العديد من النزاعات المسلحة على المناطق الخضراء وعلى الواحات والأراضي القريبة من الأنهار.
لذلك أضاف المشرع في المادة 19 بندا ينص على «أن تسهر الدولة على ضمان بيئة سليمة من أجل حماية اﻷشخاص وتحقيق رفاههم» يكفل بأن تأخذ الدولة على عاتقها استراتيجيات حماية الأفراد والبيئة.
تحقيق الوعي البيئي وإشراك الجميع للحفاظ على البيئة: أضاف المشرع ضمن المادة 19 بندا يتعلق «بسهر الدولة على ضمان توعية متواصلة بالمخاطر البيئية»، وأضاف في الديباجة فقرتين ذات أهمية كبرى: «كما يظلُّ الشعب منشغلاً بتدهور البيئة والنتائج السلبية للتغيُّر المناخي، وحريصًا على ضمان حماية الوسط الطبيعي واﻻستعمال العقلاني للموارد الطبيعية وكذا المحافظة عليها لصالح اﻷجيال القادمة».
و»اعترافاً بالطّاقة الهائلة التي يشكلها الشباب الجزائري، وبتطلعاته وإصراره على رفـع التحديات السياسية واﻻقتصادية واﻻجتماعية والثقافية للبلاد، أصبح من الضروري إشراكه الفعلي في عملية البناء والمحافظة على مصالح اﻷجيال القادمة، بضمان تكوين نوعي له تتولاه مؤسسات الدولة والمجتمع».
وذلك إدراكا بحجم التحديات التي تطرحها قضايا البيئة. ويمكن في هذا الصدد استشراف لوائح وقوانين ومراسيم تنفيذية تتولىمحاربة ظواهر الاستهلاك المفرط، وتكرس ثقافة احترام القوانين البيئية، وتصنعالممارسات الزراعية المراعية لتغير المناخ، وتحسّن سبل الري وأساليب استعمال الأسمدة والمبيدات الحشرية، وتحارب التلوث ودفن المخلفات الصناعية، وتمنعالزحف العمراني على الأراضي الزراعية.
ولنفس الاعتبارات البيئية ومساعي إشراك الجميع، يمكن الحرص كذلك على تطوير الأبحاث والدراسات التطبيقية والقياسية في مجالات البيئة والزراعة وتثمينها، وإعادة بعث فعالية معاهد الدراسات الزراعية والبيئية والطاقات المتجددة والنظر إليها باعتبارها مؤسسات استراتيجية وحتى ذات مهام ترتبط بالأمن القوميوبالسيادة الغذائية والطاقوية للبلد (المعهد الوطني الجزائري للبحث الزراعي (INRAA)، مركز تطوير الطاقات المتجددة (CDER)، مركز تطوير التكنولوجيات المتقدمة (CDTA)، مركز البحث في التحليل الفيزيو-كمياء (CRAPC)، مركز البحث العلمي والتقني في المناطق الجافة (CRSTRA)، مر كز البحث في البيوتكنولوجيا (CRBT)، ﻣـﺮﻛـﺰاﻟـﺒـﺤﺚ ﻓـﻲ تكنولوجيا ﻧـﺼﻒ النواقل الطاقوية، مركز البحث في التكنولوجيات التغذية الزراعية، مركز البحث في الفلاحة الرعوية، مركز البحث في البيئة، الوكالة الموضوعاتية للبحث في البيوتكنولوجيا وعلوم الزراعة والتغذية). وأن تنفتح هذه المراكز على العامة وعلى الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني للتحسيس بمستجدات البحوث والابتكارات حول البيئة والتغذية والطاقة، وأن يتم إطلاق مجلَّات ثقافية وجرائد الكترونية خاصة بهذه الميادين على غرار ما هو حاصل في العديد من الدول.
وأن تُدرج في برامج التعليم المدرسي وبرامج النشاطات الثقافية المحلية وغيرها قضايا البيئة والمناخ، وكذلك التوعية ضد الاستهلاك المفرط، وفي الحاجة إلى استعمال المواد والطاقات البديلة ومواد البناء الصديقة للبيئة لتقليل كثافة الطاقة وكثافة الانبعاثات الكربونية، وأيضا التخلص من استعمال الإسمنت والآجر الأحمر في الأرياف والمناطق الصحراوية…وغيرها من المقترحات.
تشجيع استخدام الطاقات البديلة والمتجددة: ولأن دول العالم تعيش مرحلة العصر الصناعي والعصر ما بعد الصناعي، ولأن حالات الطقس في تذبذب مستمر نتيجة التغير المناخي، يتزايد بشكل مهول الطلب على الطاقة بكل أنواعها ومنها الكهرباء.
ولاسيما في ظل تسارع وتيرة التحضر واستهلاك المنتجات الكهربائية، وكذا اتساع حجم الاستثمارات الصناعية وزيادة استخدام القطارات المعتمدة على الأنظمة الكهربائية. وبدأت الحكومات تواجه التحديات بين تحقيق التنمية والحفاظ على الموارد وعلى بيئة نظيفة، فكانت الطاقات البديلة منفذا لتحقيق التوازن بين هذين المُرادَيْن والحفاظ على الاستدامة. ولذلك يتضمن مبدأ «التنمية المستدامة»الذي اقترحه التعديل الدستوري 2020 مساعي استخدام الطاقات البديلة وتعميمها، ويشمل كذلك تحقيق الأمن الطاقوي بوصف الطاقة محرك التنمية.
ونعتقد أن البحث عن الطاقات البديلة أو تلبية الاحتياجات الطاقوية بالنسبة للسكان أو الصناعات أو المؤسسات يمكن أن يتوسع إلى استخدام الطاقة الشمسية، وإلىالطاقة النووية السلمية لما تحققه من أغراض ذات طبيعة استهلاكية وتجارية وصحية وانخفاض كلفتها مقارنة بالمصادر التقليدية، أو بالمرور إلى ما يسمى «اقتصاد النظائر» القائم على إنتاج الطاقة من التفاعلات النووية، وهو ما سيسمح باقتصاد الطاقة وباستخدام الإشعاعات في الطب والبيولوجيا، واستخدام «البطاريات النووية» التي ستلعب دورا مهما في المناطق النائية لأنها تستمر لفترات طويلة ولا تحتاج إلى إعادة الشحن، وخصوصا في مناطق الهضاب والصحراء المقبلة على مشاريع تنموية زراعية وصناعية هائلة.
لذلك، سيفرض تجسيد هذه المادة الدستورية على أرض الواقع بأن تكون قضايا البيئة ضمن مختلف السياسات العامة على المستويين المركزي والمحلي، وستكون الجماعات المحلية مجبرة على تخصيص ميزانيات إضافية لمجابهة الضغوط الإضافية التي يولدها تغير المناخ وتدهور البيئة؛ ذلك أن البلديات وسكانها ستكون في مواجهة ظواهر مناخية تمسُّ بحياة الأفراد ومكاسبهم كالجفاف ونقص المياه والتصحر والزوابع الرملية والفيضانات الموسمية وغير الموسمية، وارتفاع منسوب مياه البحر وغرق المدن الساحلية وملوحة التربة ونقص المردود الزراعي وحموضة البحر ونقص الإنتاج السمكي واندلاع حرائق الغابات واشتداد موجات الحرارة. وكلها قضايا تتصل مباشرة بموارد المواطن ورزقه وصحته وطريقة عيشه، وكذا بمقدرات الدولة؛ الأمر الذي يجعل من دسترة مسألة الحفاظ على البيئة قضية أساسية تمس إدارة الاقتصاد السياسي للدولة وتأمين البيئة المادية التي يعيش فيها هذا المواطن، وضمان استدامة موارده ورفاهيته.
د – جلة سماعين باحث أكاديمي في الدراسات الدولية