دعنا في البداية نتّفق على رفضنا لكل أشكال الإرهاب ونشدّد على وجوب محاربة هذه الظاهرة المقيتة التي تزرع الموت والدمار وتخلق المآسي أينما حلّت وارتحلت، ودعنا أيضا نذكّر الجميع بأننا في الجزائر كنا من أوائل الشعوب التي وقعت فريسة بين مخالب وأنياب الدّمويين الذين حوّلوا نهارنا إلى ليل حالك طيلة عقد كامل من الزمن، وارتكبوا في حقّنا أبشع المذابح والمجازر التي لا يمكن لعقل إنسان سوي تصوّرها.
حينها للتذكير فقط، لم يكن أحد يكترث لما يكابده الجزائريون، بل وقد تعمّد كثيرون تزييف الحقائق، واعتبروا ما تواجهه الجزائر من إرهاب همجي، هو حرب أهلية وصراع دمويّ على السلطة، وظل الإعلام الغربي المضلّل يعرض ذات السؤال الخبيث «من يقتل من؟» ووحده الشعب الجزائري بقي صامدا أمام ظاهرة لم يكن أحد يعرف حدود همجيتها وبطشها، وانتصر بعد تضحيات جسام دفع ثمنها غاليا، ومنذ ذلك الحين وهو يستوعب جيدا ما يعيشه أي شعب أو فرد يقع فريسة للإرهاب ولسفّاكي الدماء، ويتعاطف معه بكل جوارحه.
لهذا فما وقع من عمليات إرهابية في فرنسا يستحق منا كلّ الإدانة والاستنكار، فلا شيء يبرّر قتل الناس أو ترويعهم، ومحاولة ربط هذه الفظائع المنبوذة بالدين الإسلامي، هو محض افتراء ومغالطة كبرى، القصد منها تشويه الرسالة المحمدية السمحة، وتنفير الناس من هذا الدين الذي يصرّ بعض المعتوهين والشواذ على توقيع جرائمهم باسمه لهدف واضح، وهو وسم الإسلام بالعنف والهمجية، ووضع الأمة الإسلامية كلّها في قفص الاتهام وفي موقع المشتبه به.
وإذا كنّا نتّفق على رفض كل أشكال الإرهاب، فإننا بالمقابل نرفض جملة وتفصيلا المساس بالمشاعر الدينية للمسلمين، من خلال الإساءة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم عبر رسومات كاريكاتورية، أجزم بأن نشرها بين الحين والآخر ليس صدفة بل مقصودا، كما نرفض تغطية الرئيس الفرنسي لهذه الإساءة بغطاء حرية التعبير المقدسة حسب تعبيره، لأن الإسلام يتمتع بقداسة أكبر بكثير.
ونقول، إذا كان من غير المقبول قتل الناس، فمن غير المقبول أيضا إيذاء المشاعر الدينية للغير، وحرية الفرد تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، وكفى تحاملا على الإسلام وتأجيجا للاسلاموفوبيا وللكراهية بين الشعوب.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.