تحمل احتفائية ذكرى أول نوفمبر المجيدة، هذه المرة خصوصية ولها أكثر من دلالة ورمز يمثله تنظيم استفتاء تعديل الدستور، ممهد أرضية انطلاق ورشات إصلاحات شاملة وتغييرات جذرية تستهدف منظومة حكم وممارسات سياسية.
التحول المدرج ضمن التزامات إرادة سياسية، يتخذ من بيان نوفمبر مرجعية لاستكمال بناء دولة وطنية تعتمد توازن سلطات قاعدة ثابتة وديمقراطية تعددية أسلوبا في ممارسة عمل سياسي تتبارى فيه أفكار وتتنافس مشاريع بعيدا عن عبادة الشخصية ونفوذ الزعامة وسلطتها.
إنها مسائل فصل فيها بيان نوفمبر 66 سنة مضت واضعا خطوطا حمراء لا تقبل المساس وحواجز لا تسمح بالقفز عليها في مسار تجسيد مشروع بناء دولة وطنية يستمد أسسه ونجاعته من سند شعبي له دراية بالأسباب والخلفيات تجنبه لأي «التباس ومغالطة من مستعمر وعملائه الإداريين ومحترفي السياسة الانتهازية».مثلما ورد في ذات البيان.
مقاربة صناع الثورة التحريرية بالأمس في مرافعتهم لمشروع وطني، هدفه ومقوماته، تحمل قواسم مشتركة مع مشروع التعديل الدستوري اليوم والذي عرض للتصويت عليه يوم أمس الأحد، عقب حملة تعبئة وتحسيس عرفت بأبعاده وغاياته وأجابت على السؤال الكبير لماذا الاستفتاء وما ينتظر من وثيقة أسمى القوانين المعدلة بصفة تجعل منه دستورا توافقيا، مستديما يتحرر من طابع الموسمية وصفة «دستور على المقاس». وهي مسألة أبقت البلاد أسيرة دوامة اضطرابات وطوارئ لم تقو على إدارة دواليب حكم وتسيير شؤون رعية تزداد مطالبهم وتكبر انشغالاتهم مولدة تراكم أزمات وتعقيدات أملت حتمية هذا التغيير الجذري الاستعجالي.
مثلما جاء أول نوفمبر لتصحيح مسار حركة وطنية دخلت في أزمة لا مخرج لها بطغيان ذاتية الزعامة على القرار السياسي والتشكيك في المرور الحتمي إلى الثورة المسلحة واصفة روادها ب»مغامرين» يزجون بشعب نحو انتحار، جاء مشروع التعديل الدستوري لعلاج اختلالات في تسيير شؤون البلاد والانفراد بالحكم دون إفساح المجال لنخب وكفاءات لاعتلاء مناصب وتقلد مسؤوليات في قمة الهرم السياسي والمشاركة في اتخاذ القرار.
من هنا جاء مشروع التعديل الدستوري معلنا أن الوقت قد حان لإعادة البلاد إلى مسار التجدد والتقويم السليم وإحداث القطيعة مع حقب زمنية أبقت على تراكمات مشاكل وأجلتها عبر تعديل نصوص قانونية ودستورية لإطالة عمر سلطة سياسية بدل تعزيز آليات دولة وطنية لها وزنها في مسرح الأحداث مثلما أوصى بها صانعو ملحمة نوفمبر التاريخية.