الخبر الذي كان بـ»فلوس» بتعبير المصريين، أصبح الآن متوفرا وبالمجّان، لقد «مرّ» الدستور الجديد، لكن بطريقة يبدو أنها أرضت أنصار المراجعة، التي نالت ثقة نحو ثلثي عدد الأصوات المعبّر عنها، مثلما أرضت دعاة المقاطعة الذين استبشروا بنسبة المشاركة التي قالوا إنها جاءت تعبيرا عن «اقتناع شعبي بأطروحاتهم»، رغم أن الممتنعين «ليسوا على قلب رجل واحد»، كما يقال.
وحتى لا نبقى أسرى نقاش بيزنطي، لم يفصل بعد قرون طويلة في إشكالية أيهما أسبق إلى الوجود، البيضة أم الدجاجة؟ فإن النقاش الحقيقي يكمن فيما بعد «اليوم الأول» الذي صادف الفاتح من نوفمبر، وقد أصبح الدستور الجديد أمرا واقعا وسيدخل حيّز النفاذ بعد أن يصدره رئيس الجمهورية في الجريدة الرسمية، وسيسمى «دستور 2020».
إنه الدستور، الذي يصبح بموجبه دستور 1996 بكل التعديلات التي طرأت عليه مجرّد وثيقة تاريخية، وقبل ذلك لابد من إعادة تكييف كل الترسانة القانونية مع الأحكام الجديدة حتى لا تبقى حبرا على ورق.
إنه رهان حقيقي، بالنظر إلى السوابق في هذا المجال، حيث ما تزال بعض القوانين التي شرّعت في إطار دستور 1976 (الاشتراكي) سارية المفعول متجاوزة كل الدساتير والتعديلات الدستورية التي أعقبتها، وهي كلها تؤكد على الطابع الليبرالي للاقتصاد.
واحتاجت بعض المواد الدستورية «المحورية»، التي وردت في دستور 1996، سنين طويلة حتى تتجسّد على أرض الواقع، على غرار إقرار مبدأ ازدواجية القضاء، إذ احتاج قانون الإجراءات المدنية والإدارية مدة طويلة قبل صدوره، مثلما لم تتجسد فكرة إنشاء محكمة إدارية في كل ولاية سنين طويلة، وما تزال بعض الولايات تابعة في القضاء الإداري لولايات أخرى، بشكل استثنائي طال كثيرا.
إن «العبور» إلى الجزائر الجديدة، لا يحتاج دستورا جديدا فقط، بل يحتاج أيضا تحيين وتكييف كل الترسانة القانونية مع الوثيقة المرجعية الجديدة، والأهم من كل ذلك توفّر ذهنيات جديدة، لأنك لا تنجح في بناء سفينة جديدة بخشب قديم، كما تقول أمثال الشعوب.