تعود ذكرى وعد بلفور المشؤوم في ظرف سياسي وأمني عربي شديد الخطورة، بفعل تصاعد مخططات الضم من الاحتلال الإسرائيلي وما يقابله من موجة تطبيع «مجاني»، تجاهلت خبث سياسة تكريس الأمر الواقع للاحتلال، الذي مازال مستمرا من دون ردع في سرقة الأراضي الفلسطينية واغتصاب حقوق شعبها.
نتذكر بمرارة، أنه في هذه الذكرى الأليمة ضاعت فلسطين بسبب «وعد من لا يملك لمن لا يستحق»، استرضاء لليهود من أصحاب النفوذ السياسي والمالي، وسعيا لتحقيق أطماع استعمارية على حساب ثروات المنطقة.
بوضع «وعد بلفور» في سياقه التاريخي، يتجلى أكثر المشروع الصهيوني الذي بدأ بنواة رسالة مقتضبة أرسلها وزير الخارجية آرثر جيمس بلفور إلى البارون ليونيد روتشيلد، زعيم الطائفة اليهودية في بريطانيا، أو رسالة المؤامرة التي جعلت المنطقة حبلى بصراع الأفاعي، أي كلما تقدمنا زمنيا نشهد تعقيدا أكبر للمأساة الفلسطينية، ثمنها المزيد من الضياع للحقوق الفلسطينية وتفتيت الأراضي العربية التي فقدت بالأمس هضبة الجولان السورية، ومرشحة لمزيد من الخسائر.
تطور الصراع واشتد ضراوة، في وقت لم يتوقف الاستيطان الإسرائيلي عن شن حملات تهجير ممنهجة وخوض معارك إبادة عنيفة، والتمادي في سياسة تفريغ الأرض وإعادة تعبئتها باليهود المشتتين في أصقاع العالم. وحتى في خضم الحروب العربية الإسرائيلية، لم يكن الصهاينة من الناحية الإستراتجية واللوجستكية يقفون بمفردهم، بل تلقوا السند المادي والمعنوي والغطاء القانوني من أقوى الدول، وبذلك استمر المشروع الصهيوني يتمدد والحق الفلسطيني يتلاشى تدريجيا، وسط صمت وانكفاء للتحرك العربي، حيث عبد مسار الوعد وقدم جزء كبير من الهدية أقصد «الأراضي الفلسطينية» للصهاينة المشردين، فحُلت «مشكلة شعب» بخلق مشكلة شعب آخر…
لا يقل وعد «ترامب» أهمية عن وعد بلفور من حيث الخطورة، بعد اعترافه بالقدس عاصمة لـ»إسرائيل» ونقل سفارة بلده إليها، وفوق ذلك منحها بطاقات تطبيع مجانية مع دول عربية لم تكن تحلُم بها.
تعود ذكرى بلفور اللعينة أو «الهدية المجانية»، وانقسام مواقف الدول العربية يعمق الألم في النفوس، وخارطة دولة فلسطين تحجب، لكن أمال عودة اللاجئين إلى وطنهم لا تنقطع.