إن العدد الهائل للمتابعين لمجريات الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يؤكد أنها استحقاقات لا تؤثر على الداخل الأمريكي ولكن على مجريات السياسة الدولية، على اعتبار أن واشنطن لاتزال القّوة رقم 01 في هذا العالم، بالرغم من أنه يشهد تحولات متسارعة قد تنهي زمن الأحادية القطبية والتفرّد الأمريكي بمصيره بسبب ظهور قوى منافسة وفي مقدمتها روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي والصين التي تسيّدت العالم اقتصاديا، في انتظار إزاحة واشنطن من العرش سياسيا. ولكن روسيا والصين ليستا وحدهما في عالم يشهد بروز قوى صاعدة تسعى هي الأخرى للمشاركة في رسم السياسات العالمية.
حطّمت انتخابات الرئاسة الأمريكية لهذا العام كل الأرقام، فعدد الأصوات المعبّر عنها لم تشهد لها سابقاتها مثيلا، إذ تحصّل المرشّح الديمقراطي وحده على 72 مليون صوت انتخابي وهذا قبل حتى نهاية فرز الأصوات. علاوة على أن المرشّح جو بايدن يعتبر أكبر رئيس أمريكي سنّا على الإطلاق، حيث سيبلغ في حال فوزه بالرئاسة 78 عاما. أما السجال السياسي الذي شهدته هذه الانتخابات، فقد كان هو الآخر استثنائيا وأخذ أوجها خطيرة أحيانا، خاصة من طرف مناصري المرشّح الجمهوري ترامب، الذي استبق الأمور بالتحذير من التزوير ولوّح بعدم الاعتراف بنتائجها في حال فوز غريمه الديمقراطي، لأن ترامب أعلنها صراحة أن هزيمته تعني بالضرورة التزوير. كما رافقت هذه التحذيرات تصريحات مثيرة تطعن في العملية الانتخابية برمتها وتشكك في ديمقراطية أمريكا ومنها إعلانه عن اختفاء أصوات الآلاف من العسكريين الأمريكيين، قال إنه لم يتم عدّها، وتصريحات نارية أخرى لهذا الرئيس الاستثنائي الذي شذّ عن كل التقاليد والأعراف التي سار عليها أسلافه؟.
صحيح أن الانتخابات الأمريكية تسترعي اهتمام ومتابعة العالم أجمع وشهدت متابعة غير مسبوقة، إلى درجة أن وسائل إعلام عربية نقلت مجرياتها لحظة بلحظة وعلى المباشر، بل لا تكاد وسيلة إعلامية عالمية، وأنت تقلّب القنوات، إلا وكان موضوعها الانتخابات الرئاسية، إلى درجة أنها أصبحت أشبه بـ «كلاسيكو انتخابي» على شاكلة كلاسيكو البارصا بالريال الذي يصل متابعوه إلى أكثر من مليار نسمة عبر العالم ولا أعتقد أن متابعي انتخابات الرئاسة الأمريكية يقّل عن هذا الرقم؟