بعيدا عن قراءة عرضية لفعل أو حادث ما، خصوصا إذا تعلق الأمر بمسألة وطنية من حيث الرقعة والخطورة، وبمسألة حساسة واستراتيجية مثل الغابات التي تُحرق، ونحترق بسببها، في أرزاقنا، وفرصنا، وصحتنا، ومحيطنا، وبيئتنا، مرات ومرات..
بعيدا عن أي قراءة عرضية.. تكون الصورة الأقرب إلى الواقع هي: عندما تُحرق الغابات تنتفي أرزاق مشتغلين عليها أو حرفيين يسترزقون منها (صناعة القفف وغيرها)، وتتصاعد شهقات الخوف من تراجع منسوب الأوكسجين، المنكوب أصلا بتلوث بيئة لا يرحم ساكنة البلاد، في المدينة والريف على السواء.
عندما تُحرق غابة، جوانب كثيرة من التنمية تتضرر، ومعها تتضرر مشاريع صغيرة، وتختفي جيوش نحل تقاوم غباء الإنسان المصر على «الأرض المحروقة»، وتدمير الإنسانية في خمس سنوات، مثلما حذّر البرت آنشتاين، الذي قال بالحرف الواحد: لو تختفي النحلة، ستختفي البشرية بعدها بخمس سنوات! ذلك أن هذه النحلة تلقح الأشجار وتُشجّع على التنوع البيئي حيثما حطّت..
لو نطرح سؤال من المستفيد من حرق غابة، سنرى أن حرقها يعني مزيدا من تكرش تجار الخشب ومستورديه، ويعني أيضا جفافا يتوسع، طالما أن الاستسقاء، قبل أن يكون صلاة، هو منظومة بيئية نواتها شجرة تعطي أوكسجينا يساهم في تخفيض برودة الجو وبالتالي تكثيف بخار الماء وسقوط المطر..
حرق الغابة يعني أيضا أن محيطها تغيّر كثيرا، من قرويين بسطاء يعرفون قيمة الطبيعة ويحافظون عليها، إلى «سكان جدد»، فيهم من يحرق أجزاء منها لغاية في نفس جاكوب وعرقوب، ومنهم من يراها «مزرعة» مفتوحة على ما يرغب فيه من «إستثمارات»، بعيدا عن الأعين التي تملك القدرة على الردع الصارم في حينه، أو لاحقا في أروقة العدالة..
في نهاية المطاف، حرق غابة إجرام لا يتوقف عند كم هكتارا محروقا، بل هو «إجرام جماعي» أو بالجملة، يستهدف مستقبل أجيال كاملة في التنوع البيئي، وفرص إستثمار، لا يراها من تلوثت أيديهم بـ»الفحم المرعوب»، ويكفي أن نعرف أن غاباتنا غنية بأنواع من الأعشاب الطبية، التي تلهث وراءها مصانع الأدوية، وثروات أخرى، يعرفها المهتمون بلغاليغ البيئة، وحدهم..