مثل برنامج استعراضي مثير، أو فيلم مغامرات مشوّق، تابع العالم فصول الانتخابات الرئاسية الأمريكية منجذبا إلى مرحلتها الحاسمة، ليس لمعرفة الفائز، فقد تجلىّ واضحا منذ البداية وحتى من خلال استطلاعات الرأي التي لم تخطئ هذه المرة، بأن المرشح الديمقراطي ماض للفوز بهذا السباق الذي تميّز بالصعّوبة وبما أحاطه من انقسامات، وليس أيضا لمعرفة رد فعل المرشح الجمهوري دونالد ترامب، لأن رفضه الاعتراف بالهزيمة وتهديده ووعيده واستنجاده بالقضاء، ما هو إلا تخبّط لذبيح قبل أن يخرّ صريعا ويندثر في الطبيعة، فالأمر حسم وجو بايدن هو الرئيس الأمريكي الجديد الذي أبدى العالم أجمع ترحيبه بانتخابه أملا في إعادة عقارب الساعة الخارجية الأمريكية إلى مسارها الصحيح بعد أن عبثت بها قرارات ترامب الصادمة التي لم تفرّق بين عدو أو صديق ولا بين الثوابت والمقدسات والأعراف.
ما يهمّ معرفته اليوم هو كيف سيتعامل بايدن مع إرث ترامب الثقيل سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، فداخليا هناك مواجهة الأزمة الصحيّة الصعبة التي لم يحسن الرئيس المنتهية ولايته التعامل معها فكانت الصّخرة التي تحطّمت عليها آماله في ولاية ثانية، والمواجهة هذه سوف لن تكون سهلة خاصة وأنها أثّرت بشكل كبير على الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية، ما يتطلب وضع إستراتيجية إنعاش تتطلب ضخ مئات المليارات من الدولارات التي سيكون مصدرها بكل تأكيد الضرائب التي تدفعها الشركات الأمريكية خاصة المتواجدة بالخارج.
وبالموازاة، على بايدن أن يحاصر الانقسامات وحالة الاحتقان التي استوطنت المجتمع الأمريكي والتي ألقت بظلالها الداكنة على العملية الانتخابية، إضافة إلى معالجة ملف الهجرة والعنصرية وعنف الشرطة وغيرها من القضايا الضاغطة التي تفجرت في الأربع سنوات الماضية.
أماّ خارجيا فالتّركة ثقيلة أيضا، لكن يبدو أن الرئيس الأمريكي الجديد رسم معالم إستراتيجيته التي ترمي إلى طيّ المرحلة «الترامبية «الفوضوية التي زلزلت قواعد العلاقات الدولية، وهو يخطّط لإعادة الحياة لروابط أمريكا مع الحلفاء والعودة إلى الإدارة الجماعية للأزمات التي تعصف بالعالم، ومن خلال ذلك الدفع باتجاه عالم متعدد الأقطاب، إضافة إلى مراجعة قرارات ترامب بخصوص الملف النووي الإيراني، والحظر الذي فرضه على دخول مواطني الدول الإسلامية إلى أمريكا، والتعامل اللاإنساني مع أطفال المهاجرين الذين يفصلهم عن آبائهم… وغيرها من القرارات التي صدمت المجموعة الدولية قاطبة.
نشير فقط في الأخير، إلى أن مهمة بايدن سوف لن تكون سهلة مع هذا الكمّ الهائل من الملفات الضاغطة داخليا وخارجيا.