في ليبيا كل الفرقاء متفقون على أن الحل الوحيد لوقف النزيف الليبي هو التوافق على مخرج سياسي. لكن، ولأن الشيطان يسكُن في التفاصيل، فإن الوصول لتحقيق ذلك الهدف دونه منعرجات كثيرة وأحيانا خطيرة.
يمكن رؤية المنعرجات في الحسابات المصلحية لأطراف ليبية كثيرة، ويمكن تلمسها في حسابات أطراف خارجية كثيرة أيضا، وفي التعقيدات التي تطرحها إدارة العلاقة بين الجميع.
السوابق في الملف الليبي كلها كانت معيقة للحل السياسي التوافقي، ففي مؤتمر برلين مثلا، تم الاتفاق على أن توقف جميع الأطراف التدخل والتحريض والتسليح، ولكن تقارير أممية وتصريحات أكدت أن الالتزام بذلك كان محدودا، وأن الأسلحة ظلت تتدفق وأن الكثير من الأطراف، داخلية وخارجية، ظلت تعمل على تحسين مركزها التفاوضي وعلى ربح ما يمكن ربحه مستقبلا.
يقول خبراء الإستراتيجية، إن وصول كل الأطراف لحالة وهن وإرهاق وعدم قدرة الجميع على مزيد من الضحايا والتضحيات ومزيد من التكاليف البشرية والمالية، فضلا عن الضغط الدولي المنظم من الأطراف غير المتدخلة في الصراع، إقليمية ودولية، يوفر شروطا لتقدم المفاوضات.
هل توفرت للقاءات تونس هذه الشروط، وهل أدركت جميع الأطراف أن الحسم العسكري غير ممكن، لا اليوم ولا غدا، وأن البحث عن موقع في ليبيا الجديدة يتطلب العمل الجماعي وفق منطق آخر وتحويل المعركة إلى جانبها السياسي، أي التنافس على ربح أصوات الليبيين في انتخابات مقبلة..؟
الأمر يبدو من الناحية المنطقية واضحا، وأنه مهما طالت المفاوضات فإن الحل السياسي التوافقي هو المخرج وأن العودة للسلاح هي خسارة للجميع، غير أن «وراء الأكمة ما وراءها»، وأن الذي أبقى الصراع والتنازع وأججه بين الفينة والأخرى قد لا يجد مقابلا سياسيا يرضيه ويبرر «تكاليف» صراع سنين.
الأطراف الإقليمية، لاسيما الجزائر وتونس، مهتمة وتواقة أكثر من غيرها لإنهاء الصراع وبناء مؤسسات ليبيا موحدة وممثلة لكل الليبيين، وقد عملتا وتعملان على إنهاء الأزمة في أقرب الآجال وتجدان عند جل الأطراف الليبية القبول والتفهم والتفاهم.
كل الأطراف الليبية اليوم في حالة وهن، والتكاليف التي دفعتها أكثر من كافية، والحل التوافقي يحفظ للجميع ليس ماء الوجه فحسب، بل الفرصة للمساهمة في بناء ليبيا جديدة. ذلك ممكن.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.