(1)- كان أدولف هتلر دكتاتورا بمعنى الكلمة، ويتحمل المسؤولية الأولى في الأهوال التي عاشها العالم في الحرب العالمية الثانية، لكن هناك مواقف لا يمكن أن ينساها مؤرخ نزيه تثبت بأن «الفوهرر» كان رجلا يعرف كيف يتحمل مسؤولية الرجل الأول في الدولة، وكيف يسجل النقاط التي تؤكد أنه لم يكن ذلك «العريف النمسوي»، كما كان يطلق عليه المارشال «هندنبرغ» تعبيرا عن الاحتقار، أو «الرسام الفاشل» كما ألف الإعلام الغربي أن يصفه، ناهيك من الاتهام بالانحراف الجنسي وإدمان المخدرات إلى غير ذلك من الأساليب الإعلامية التي برع فيه أبناء عمنا، إن صح ما نُقل إلينا من تاريخ أبِ الأنبياء.
ولدت ظاهرة هتلر من رحم معاهدة فرساي 1919 المُذلّة، التي كان التخلص من آثارها والانتقام ممن صاغوها أهم أهداف هتلر، وكانت هزيمة فرنسا على وجه الخصوص في مقدمة تلك الأهداف.
وهنا تتجلى عبقريته الانتقامية، والتي سجلها موقف عرفته عربة القطار رقم «D 2419» التي كانت ضمن القطار الخاص بالقائد الفرنسي «فرديناند فوش»، قبل أن تتحول إلى مكتب خاص به.
وتنتهي الحرب العالمية الأولى، ومع البصيص الأول لضوء فجر الحادي عشر من نوفمبر عام 1918 استُقدم وفد الاستسلام برئاسة السياسي الألماني «ماتياس ايزبيرج» إلى عربة القطار بوسط غابة «كومبيين» الفرنسية ليوقع أمام المارشال فوش وثيقة الاستسلام.
ثم تحول مكان توقيع المعاهدة إلى نصب تذكاري مفتوح في عام 1927، وبنيت فيه قاعة خصيصاً لعرض عربة القطار، بالإضافة إلى تمثال لـ»المارشال فوش» أضيف لاحقاً، ونقش على حجر كبير على أرضية الموقع عبارة: «هنا في الحادي عشر من نوفمبر استسلم كبرياء الرايخ الألماني الآثم مهزوما بأيادي الشعوب التي حاول استعبادها».
وتنطلق الحرب العالمية الثانية، التي بدأت في واقع الأمر في 1919، ويسجل هتلر نقطة على قائمة انتقامه، فقد أصر على أن توقع فرنسا وثيقة استسلامها في نفس عربة القطار D 2419 .، وعلى مرمى البصر من الكلمات المنقوشة على حجر كومبين.
وهكذا، ففي صباح الثاني والعشرين من يونيو عام 1940 أُخرِجَت العربة من المبنى المخصص لعرضها وسُحبت إلى ذات الموقع الذي كانت قد وضعت فيه قبل 22 عاما كشاهد على استسلام الرايخ الألماني، وسط احتفالات عسكريه بالانتصار الألماني، بناء على أوامر الفوهرر.
وصعد هتلر مع أقرب معاونيه إلى العربة في الساعة 18:50 ليجلس في نفس الكرسي الذي استخدمه المارشال فوش قبل 22 عاما مجلساً له، إمعانا في إهانة الجانب الفرنسي، ثم أمر بأن يُؤتى إلى العربة بالجنرال الفرنسي «تشارلز هونتزيرج» المكلف بالتوقيع عن الجانب الفرنسي، الذي دخل مع الوفد المرافق له وبملابسه العسكرية، بدون أن يعرف من سوف يواجه في العربة ولا ما سوف يحدث فيها.
ويفاجأ الوفد الفرنسي، بل والألماني، بأن الزعيم الألماني المنتصر لم يبق جالسا على الكرسيّ متشفيا في الجنرال الفرنسي المنهزم بل وقف على الفور منتصبا بمجرد دخول تشارلز هونتزيرج، وتبعه في ذلك الوفد الألماني، وفوجئ الجنرال الفرنسي بوقوف الفوهرر فرفع يده آليّا بالتحية العسكرية له، ويرد هتلر التحية العسكرية بمثلها.
– كان لأحد السادة من العرب حصان رائع، أعجب به شيخ قبيلة أخرى، فحاول أن يشتريه لكن صاحب الحصان رفض البيع رغم ارتفاع الثمن المعروض.
وذات يوم كان صاحب الحصان يتجول مزهوا بحصانه فيفاجأ على مرمى البصر بشخص ملقىً على الأرض، ويسرع نحوه ليجد أنه الشيخ الذي كان قد رفض عرضه لشراء الحصان، ويعرف منه أن أشرارا هاجموه وسلبوا ماله ويرجو أن يعطيه شربة ماء، فينزل من حصانه ليعطيه ما طلبه، لكن الشيخ المُلقى على الأرض ينتفض فجأة ويقفز إلى ظهر الحصان ويقول لصاحبه وهو يبتعد: «رفضتَ كل ثمن والآن ستفقد الحصان بلا ثمن».
ويصرخ صاحب الحصان قائلا: انتظر دقيقة، «اسمع مني هذا القول ولك الحصان»، ويتوقف المختطف بينما يواصل صاحب الحصان قائلا: «أنت فُزت بالحصان، ولكن أرجوك، لا تخبر أحدا بما حدث، أرجوك، تكتم عليه»، ويفاجأ المُختطِف فيسأل مندهشا: «لماذا؟»، ويجيب صاحب الحصان: «لو انتشرت هذه القصة لضاعت الحمية بين العرب، ولأحجم أي فارس عن إنقاذ من يراه على الأرض طريحا».
ويعود المختطف أدراجه وينزل من صهوة الحصان ليقول لصاحبه: لك حصانك، فو الله لن أكون أقل منك رجولة ونبلا..
وفي الحالتين هناك تجسيد للرجولة، التي تتناقض مع كل ما يمكن أن يعتبر سقوطا ونذالة وضعف همّة، ولقد تذكرت القصتين وأنا أتابع مواقف البعض ممن يُعاني من كوفيد-19بعيدا عن الأهل والوطن.
وخطورة هذه المواقف، والأخبار عن الرئيس شحيحة والقلق يسود الجو العام، هو تزامنها مع موجة الحرائق الهائلة التي اندلعت في عشر غابات عبر ولايات الوطن، في وقت واحد وفي فصل لم تكن تعرف فيه أمثال هذه الحرائق، التي نتجت عنها خسائر كبيرة في الثروة الغابية وخسائر في الأرواح، ودفعت الوزير الأول إلى القول بأن «فرضية العمل الإجرامي غير مستبعدة، وفي حالة ما إذا أثبتت التحقيقات أن ما حدث مدبر ومقصود فلن نتسامح مع أعداء الحياة والمتربصين بالوطن».
وضاعفت الحرائق من وضعية القلق العام الناتج عن الموجة الجديدة من إصابات كورونا.
وتزامن هذا مع حسابات لبعض العناصر في مواقع التواصل الاجتماعية نشرت مؤخرا معلومات مشوهة زعمت أن مصدرها جريدة ألمانية تسمى «فرانكفورته نويا بريس»، أساءت بكل الصور للرئيس الجزائري ولزوج الرئيس الجزائري، في تناقض مع أخلاقيات العمل السياسي والتزامات المواطنة والأخوة.
ثم راح البعض يستغل الجنائز التي تفرض الوقار والخشوع، في التهجم على رئيس الجمهورية وفي اجترار نفس الشعارات التي رفضتها الجماهير في ديسمبر الماضي، عندما تمسكت كل التوجهات الوطنية باحترام الدستور، برغم أن الوضعية في بعض المناطق كانت وما زالت أقرب إلى وضعية الطائرة المختطفة بفعل التوجهات المعروفة، والتي كانت تريد استنساخ تجربة 1992 الدموية.
ولم تصدر عن تلك العناصر كلمة تعاطف واحدة مع المريض، وهي ظاهرة لم تعرفها الأخلاقيات الجزائرية، وما تفرضه أبسط قواعد المواطنة الشريفة والأخوة الإنسانية التي تدعو لأي مريض بالشفاء مهما كانت درجة الاختلاف معه.
ودفع هذا التصرف قطاعات شعبية واسعة إلى تعاطف أكبر مع الرئيس، وسجلت مواقع التواصل الاجتماعي تزايد عبارات الدعاء بالشفاء للرئيس وبعودته إلى أرض الوطن سالما.
وتذكر كثيرون أن نفس العناصر مارست نفس التشفي إثر وفاة الفريق أحمد قايد صالح، بينما راح آخرون يتساءلون بمرارة عما إذا لم يكن الرئيس قد أخطأ بتطبيقه لشعار…عفا الله عمّا سلف، وتذكر البعض ما قيل عن أسباب سقوط الدولة الأموية.
وأنا أعرف أن الإشارة ليد مشبوهة أو أجنبية في الأحداث التي تشهدها بلادنا هو تحليل يصرّ البعض بكل شراسة على اعتباره أمرا مثيرا للسخرية، ولأنني لا أريد أن يكون هذا مجالا لجدلٍ لا طائل من ورائه، برغم أن استبعاده هو سذاجة سياسية، سأكتفي بأن أستعرض بعض مواقف الرئيس الجزائري من المعطيات الوطنية ومن الأحداث الجهوية والدولية، لعل ذلك يعطي القارئ فرصة استنتاج كل ما يرتبط بالأحداث، دوافعَ ومهاميزَ ودمىً.
وأول المواقف، هو موقف الرئيس من احترام الدستور، والتزامه برفض كل توجه نحو المراحل الانتقالية التي أرادت بها عناصر معينة ركوب الحراك الشعبي لانتزاع السلطة خارج إرادة الجماهير، وهو ما كنت تناولته بالتفصيل أكثر من مرة.
والموقف الثاني هو موقف الرئيس من القضية الفلسطينية، ونحن نعرف من يتناقضون مع هذا الموقف الذي يلتزم به الشعب الجزائري في معظمه، وأيا كان السبب أو الخلفية أو التنسيق المباشر أو غير المباشر، مع العدو.
والموقف الثالث هو موقف الرئيس من قضية الصحراء الغربية، والتي جدد فيها التذكير بأن الجزائر لا تعادي أحدا لكنها تحترم الشرعية الدولية التي تطالب باستفتاء السكان، طبقا لما ارتأته محكمة العدل الدولية.
والموقف الرابع هو موقف الرئيس من أي هرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، والذي كان من ردود الفعل عليه موقف لشقيقٍ، أو كنا نعتبره كذلك، يتناقض مع أي منطق دبلوماسي، إن لم أقل أنه أصبح مثار سخرية كأي موقف يتم بأسلوب العناد الطفولي و»الزكارة» النسوية، ولا يمكن أن يحظى بأي احترام حتى ممن يمكن أن يعتبرهم أحد البسطاء مستفيدين منه سياسيا أو جغرافيا، حيث أنهم من الذكاء والوعي بحيث لا يسعدهم تناول خبز ملوث بالاعتبارات الشخصية الدنيئة.
الموقف الخامس هو موقف الرئيس من فرنسا، والذي تكامل فيه الحزم مع المرونة، وأكد أن أسلوب التعامل الذي عرفته العلاقات في العشرية الماضية هو ماضٍ لن تعود الجزائر له.
ولابد هنا من التذكير بالحفاوة التي استقبل بها الرئيس عبد المجيد تبون وزير الدفاع الأمريكي «مارك طوماس إسبر» في الأيام الأول من شهر أكتوبر، وبحوالي خمسة أيام قبل التاريخ الذي قيل أن الرئيس أصيب فيه بفيروس كورونا.
وكان من مظاهر الحفاوة التي لا شك أن هناك من توقف عندها أن مقعد الوزير الأمريكي كان نفس نوع وفي مستوى مقعد الرئيس، الذي كان وراءه العلم الجزائري، وكان العلم الأمريكي وراء الزائر، وعلم أي دولة لا يوضع إلا إذا كان الضيف في مستوى المضيف.
تلك هي الأفعال فماذا عن ردود الأفعال؟