بالرغم من التفاؤل الذي يبديه كثيرون بقرب خروج السفينة الليبية من بين الأمواج المتلاطمة إلى بّر الأمان، وبلوغ مرحلة التسوية النهائية اللازمة التي تعصف بالليبيين من 2011، فإنّني أعتقد بأنّه من السابق لأوانه القول بأن ليبيا ستعود من ملتقى الحوار بتونس وبيدها مفتاح الحلّ السحري الذي يعيد بناء مؤسسات الدولة التي دمّرت قبل عقد من الزمن، ويضع دستورا يحفظ وحدة الليبيين التي نسفتها الصراعات الدونكيشوتية على السلطة والمناصب القيادية، ويعيد توحيد الجيش وجمع السلاح بيده، والأهم من كل هذا ينهي التدخلات الخارجية التي يعلم الجميع بأنها سبب بلاء الليبيين، وينهي معه تواجد المرتزقة والإرهابيين والمقاتلين الأجانب الذين استقدموا لإشعال الحرب في ليبيا وخلق بؤرة توتر بالمنطقة المغاربية تهدّد استقرارها وتضع أمنها على المحك.
صحيح أن ملتقى تونس وقبله اجتماع جنيف يقدّمان مؤشرات واضحة عن تقدّم في العملية السياسية والأمنية، فبعد أن توّج لقاء جنيف في 23 أكتوبر الماضي باتفاق نهائي لوقف القتال، يعمل ملتقى الحوار بتونس المقرر أن يختتم أشغاله، اليوم، على تحديد سلطة تنفيذية وتنظيم انتخابات في مدة أقصاها 18 شهرا، وبالموازاة العمل على تحقيق المصالحة الوطنية وتوحيد مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش، ثم الانطلاق في معالجة الآثار الاجتماعية والاقتصادية لعشر سنوات من الفوضى والجنون، لكن هذا التقدم الذي لا يمكن إلا أن نشيد به، أراه ماض ليصطدم بعراقيل كثيرة يفرضها المستفيدون من الأزمة، الذين تعالت أصواتهم حتى قبل أن يلتئم اجتماع تونس رافضين تشكيلة 75 التي اختارتها الأمم المتحدة للمشاركة فيه، ومن منطلق « أشارك أو أفسد اللعبة» يستعد هؤلاء لإجهاض مقررات هذا الملتقى، كما فعلوا مع اتفاق الصّخيرات عام 2015 عندما رفض البرلمان منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني، ما نتج عنه انقسامات في السلطة امتدت إلى تشكيل حكومة موازية في الشرق.
أيضا، ستظهر خلافات حول من يشارك في السلطة الانتقالية ومن يديرها، وستطرح مخاوف من أن تصبح الحكومة الانتقالية دائمة، مثلما حصل مع تشكيلة السراج التي استمرت خمس سنوات كاملة، لكن يبقى التحدي الأبرز هو خروج الإرهابيين والمقاتلين الأجانب، والذين بحكم اتفاق جنيف الأخير سيتم بعد ثلاثة أشهر من تنصيب الحكومة الانتقالية، فهل فعلا ستعمد الدول التي جلبتهم إلى ليبيا على إخراجهم من هناك، وفي حال تم ذلك إلى أين سيتم نقلهم؟ السؤال سيبقى مطروحا.