يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية إيدابير أحمد أن عودة الكفاح المسلح لجبهة البوليساريو بعد عملية الكركرات أعاد القضية إلى المشهد العالمي، بعد تغييبها من طرف الاحتلال لأكثر من ثلاثين سنة عبر التعتيم الإعلامي الممنهج، ووسط صمت أممي رهيب، مؤكدا أن الحرب ستستمر لأن الشعب الصحراوي مصمم على نيل استقلاله وحريته وقد تكون هذه الفرصة لتحقيق ذلك أكثر من أي وقت مضى.
«الشعب ويكاند»: كيف تقرأون عودة التوتر بين المغرب والبوليساريو بعد حادثة ثغرة الكركرات؟
عودة التوتر من جديد في ثغرة الكركرات، جاء بسبب منع المجتمع المدني الصحراوي لسائقي شاحنات مغاربة من العبور إلى موريتانيا، والذي يستخدمونه لنقل السلع والبضائع وحتى تنقل المدنيين، الأمر الذي أدى بالمغرب إلى إرسال وحدات من الجيش لتأمين الطريق أمام حركة سير البضائع والأشخاص. وما يحدث ليس وليد اليوم، بل يعود إلى منتصف سبعينات القرن الماضي، لان المغرب لا تزال أطماعه متواصلة رغم اللوائح الأممية حول النزاع في الصحراء الغربية، لأنها أرض محتلة والشعب الصحراوي له الحق في تقرير مصيره.لكن الجديد اليوم هو بعد أربع سنوات تعود أزمة الكركرات من جديد لكن التوتر قائم هذه المرة على ثغرة غير شرعية تربط بين الصحراء الغربية وموريتانيا وعلى التماس مع الشريط الساحلي الموريتاني. وهويقع داخل منطقة عازلة تحرسها قوة لحفظ السلام (المينورسو) تابعة للأمم المتحدة، واليوم منذ سنة 2016
«الشعب ويكاند»: كيف تفسرون عودة التوتر بشكل مفاجئ، وما أسباب ذلك في اعتقادك؟
في اعتقادي الأمر جاء في هذا التوقيت لعدة أسباب، ومن المعروف في العلاقات الدولية أن لكل فعل ردة فعل. إقدام البوليساريو على غلق ثغرة الكركرات أمام حركة نقل السلع المغربية وتنقل الأشخاص نحو موريتانيا، جاء كرد فعل على فتح قنصلية عامة للإمارات العربية المتحدة في مدينة العيون. فتح قنصلية في هذا التوقيت له دلالاته ورمزياته ولا يعد أمرا عاديا على الإطلاق، ويدخل تحت اعتراف الإمارات بالطرح المغربي للاحتلال، وهو ما يعتبره الصحراويون ظلما ومنعهم من حقهم في تقرير المصير.
«الشعب ويكاند»: تقول إن هناك علاقة بين عودة التوتر بفتح الإمارات قنصلية في العيون المحتلة؟
في حقيقة الأمر قبل الإجابة على ذلك يجب الإشارة أولا إلى أمر مهم، ذلك أن ردة الفعل هذه حول فتح القنصلية العامة الإماراتية، يعتبره البعض كنوع من المقايضة التي تمارسها أبوظبي بغرض إقناع بعض الدول العربية نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والمغرب يعد من بين الدول المرشحة لذلك، والذي ما فتئ يحاول إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية لافتكاك موقف منها لصالحه في ملف الصحراء الغربية، ويرى العديد من المتابعين أن فتح الإمارات لقنصلية في مدينة العيون جاء بجهود أمريكية إسرائيلية لتسجيل أكبر عدد ممكن من الدول العربية لتوقيع اتفاق سلام دائم مع إسرائيل ومنه لتطبيع العلاقات معها، ولذلك فمن الطبيعي أن تكون أبوظبي وسيطا بين الرباط وتل أبيب وواشنطن، خصوصا أن الإمارات كانت جزء من المفاوضات بشأن السودان، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى تأتي الاستثمارات والتمويلات المباشرة الإماراتية بالمغرب في المرتبة الأولى عربيا، كما أنها تتصدر الاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم المغربية بقيمة سوقية تناهز 88,9 مليار درهم( 9.36 مليار دولار)، بزيادة 1.6 بالمائة وأصبحت الاستثمارات الإماراتية تمثل حصة 47 بالمائة من إجمالي الاستثمارات الخارجية في الأسهم المغربية المدرجة في البورصة.وبلغت الاستثمارات الإماراتية المباشرة في المغرب مليارين و79 مليون درهم مغربي سنة 2018 وما يناهز مليارين و441 مليون درهم سنة 2019، ومليارا و300 مليون درهم في النصف الأول من السنة الجارية.
وتعتبر الإمارات أول مستثمر عربي في المغرب بقيمة استثمارية إجمالية تبلغ 15 مليار دولار، وبلغ مجموع واردات المغرب من الإمارات سنة 2019 ما قيمته 6974,6 مليون درهم مغربي، فيما بلغت الصادرات إلى الإمارات 585.9 مليون درهم من بينها 29.1 مليون درهم كصادرات من السيارات السياحية، ولذلك فإن الإمارات تمثل للمملكة المغربية شريكا اقتصاديا مهما لا يمكن خسارته، وهوما يجعلها عرضة لضغوطات أبوظبي المتكررة وهذه المرة كي تعلن التطبيع العلني مع إسرائيل أوسيتم قطع التمويل عنها.
«الشعب ويكاند»: لماذا التركيز على ثغرة الكركرات ؟
المغرب معروف أن اقتصاده قائم بالأساس على الخدمات والمبادلات التجارية، ويعتبر ثغرة الكركرات ذو أهمية إستراتيجية للمغرب، ذلك بأنه هو القناة الوحيدة التي تربطه مع غرب إفريقيا خاصة بعد غلق الحدود مع الجزائر منذ سنة 1994، فالمغرب يركز أساسا على السوق الإفريقية لتصدير منتجاته.
وبحسب بيانات اقتصادية فإن المغرب هو أول مستثمر في منطقة غرب إفريقيا في الوقت الحالي، كما أنه ثاني مستثمر في القارة الإفريقية بصفة عامة بعد دولة جنوب أفريقيا، فصادرات المغرب نحو القارة ارتفعت إلى ما نسبته 13 في المائة سنويا بين سنة 2007 و2017 لتصل إلى 22.1 مليار درهم وهو ما يقارب 2.3 مليار دولار، ولا تزال المملكة المغربية تراهن على المزيد في القارة، التي سجلت أعلى معدلات النمو الاقتصادي في العالم.
ولا يستبعد أيضا أن هناك علاقات اقتصادية إسرائيلية مع المغرب، فقد نشر موقع «إسرائيل فالي»، المختص في العلاقات التجارية الفرنسية الإسرائيلية، تقريرا يفيد بأن تل أبيب تراهن على سنة 2020 لتعزيز علاقاتها التجارية مع المغرب، وأشار أيضا إلى أن المغرب يوجد ضمن أهم خمس زبائن لإسرائيل في أفريقيا. فإسرائيل بعد إمضاء اتفاقية الموانئ مع الإمارات تسعى إلى توسيع حركتها التجارية عبر اعتمادها على الاقتصاد الأزرق ومنه الانتشار في إفريقيا وموانئ القارة ككل، ويكون ذلك عبر المغرب.
وعلينا ان لا ننسى الجولة الماراطونية التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو قبل ثلاث سنوات من اليوم، ومشاركته في مؤتمر الايكواس، وهي المنظمة الاقتصادية لغرب إفريقيا والتي تضم 15 دولة، فكل ذلك يوضح نية إسرائيل ورغبتها الجامحة في التواجد بمنطقة غرب إفريقيا، ولهذا تعتبر ثغرة الكركرات معبرا استراتيجيا لا يقبل التفاوض بالنسبة للمملكة المغربية.
«الشعب ويكاند»: ما هي رؤيتكم لمستقبل النزاع بين الطرفين في ظل إعلان البوليساريو نهاية وقف اتفاق إطلاق النار؟
النزاع بين المغرب والبوليساريو يعتبر من النزاعات المستعصية، لذلك في اعتقادي ووفقا للتطورات العالمية الجديدة فإن قضية الصحراء الغربية تبقى وسيلة في يد القوى العالمية للضغط على المغرب، ومن ناحية أخرى فإنها تمثل للمغرب أهمية حيوية وإستراتيجية في مستقبل الاقتصاد المغربي، وأخيرا سيواصل الشعب الصحراوي كفاحه من أجل نيل استقلاله وحريته، ومن حقه فعل ذلك ومشروع له وفقا لمبادئ الأمم المتحدة والتي من أولوياتها ضمان حق الشعوب في تقرير مصيرها.