رغم كل ما قيل عن جزائر سبعينيات القرن الماضي، وثوراتها (الثقافية والصناعية والزراعية) المجهضة، فإن ما تبقى منها ولم تقض عليه النار و»شاعليها» هو «السد الأخضر».
قيل إن المشروع «ارتجالي» وقيل إنه «غير واقعي»، لأنه ارتكز على غرس أشجار «الصنوبر الحلبي» و»السرو» دون غيرها، لكن الأيام أثبتت جدواه، وحوّلت كثير من الجبال الجرداء في مناطق السهوب والهضاب العليا إلى منتجعات طبيعية لا تحتاج إلا مرافق حتى تتحول إلى مناطق سياحية ساحرة.
إنه المشروع الذي جاء في أعقاب سياسة «أرض محروقة» نفذّها الاحتلال الفرنسي بكل السبل بكل وحشية، من أجل استئصال الثورة من جذورها، وقد أحرق الحقول والجبال بـ»النابالم» وشرّد العباد.
ولم يكن أمر بناء السد الأخضر يحتاج ميزانيات ضخمة، فمعظم المشروع أنجزه شباب الخدمة الوطنية وكثير منه أنجزه فلاحون فقراء لم تكن أجرتهم في نهاية الشهر إلا كيسا من السميد وصفيحة من الزيت.
كان ذلك عندما كانت البلاد تفتقر إلى الخبراء والدارسين، وعندما تغيّر الحال، أصبح الجميع يشكّك في المشروع من أساسه ومن نوعية الأشجار، وعند الحديث عن مشاريع لغرس أنواع أخرى، توقف كل شيء رغم الميزانيات الكثيرة التي استهلكت في الدراسات التي لم تنجز، على غرار كثير من الدراسات الأخرى التي بقيت حبرا على ورق.
وعوضا عن استمرار بناء «السد الأخضر»، جاء «سد أحمر» من ألسنة النيران التي تكاثرت حوادثها منذ تسعينيات القرن الماضي، وأصبحنا في كل صيف ننهض على أخبار الحرائق حتى اعتقدنا أن الجبال ستتحوّل إلى أراض جرداء، إلا أن «بركة» السرو» و»الصنبور الحلبي» تجعل الغطاء النباتي يتجدد في كل مرة متحدّية دراسات الخبراء التي كانت تقول بعكس ذلك.
والآن وقد ثبتت التحقيقات أن الحرائق الأخيرة المتزامنة كانت بفعل فاعلين، فإن التركيز على قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية لا يكفي، بقدر ما يدعو الأمر إلى إطلاق نسخة «مزيدة ومنقّحة» من السد الأخضر، ويبدو أنّ أوان ذلك قد آن.