بعد أشهر من التّعليق بسبب الأوضاع المضطربة التي شهدتها دولة مالي، والتي انتهت بانقلاب عسكري أطاح بالرئيس ابراهيم بوبكر كيتا في أوت الماضي لتحل محله سلطة انتقالية، استأنفت الأسبوع الماضي في العاصمة باماكو لجنة متابعة اتفاق السلام والمصالحة أشغالها للوقوف على أسباب تأخّر تطبيق هذا الاتفاق التاريخي الذي هندسته وأنجزته الجزائر قبل نحو خمس سنوات، وللعمل على تجاوز العراقيل التي تحول دون إطلاق مشروع المصالحة الوطنية الذي يعتبر المدخل الأساسي لإعادة الاستقرار إلى هذه الدولة الإفريقية التي تجد نفسها اليوم بين فكّي كماشة الارهاب من ناحية، والتجاذبات السياسية والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية من ناحية ثانية.
الحاضرون في اجتماع باماكو، أجمعوا على أهمية اتفاق السلم والمصالحة، واعتبروه أولوية استراتيجية تستدعي إلزام جميع شرائح الأمة به من أجل عملية سلمية شاملة وأكثر كفاءة وفعالية.
وحدّدوا بالمناسبة أربعة محاور رئيسية من أجل المضيّ قدما في تنفيذ الاتفاق، هي، نزع السّلاح والتسريح وإعادة الإدماج، وتسريع الإصلاحات السياسية والمؤسّسية ودعم إجراءات التنمية، وإعادة إطلاق مشروع المصالحة الوطنية.
ومن شأن نزع السلاح وإعادة الإدماج الاجتماعي، أن يعزّز الأمن في جميع أنحاء البلاد، والتقصير أو الاحجام عن تنفيذ هذه العملية، سيبقي مالي في دوّامة العنف وقبضة المجموعات الدموية، وسيمنعها من مباشرة الإصلاحات السياسية والمؤسّسية التي تضمّنتها خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية بهدف بناء دولة جديدة موحّدة تسع جميع أبنائها بمختلف أطيافهم واختلافاتهم، وتعيد فتح أبوابها لاستقبال اللاجئين والنازحين وتدفع عجلة التنمية إلى الأمام، حتى يجد الماليون عملا يقتاتون منه، ولا يضطرّهم الجوع والحاجة للوقوع في فخ إغراءات التنظيمات الإرهابية.
يبدو أنّ السلطات المالية الانتقالية وضعت أصبعها على الجرح، وحدّدت العلاج المناسب، فمن دون مصالحة والتفاف لكل مكونات الشعب حول اتفاق السلام، سيبقى عدم الاستقرار السياسي والأمني سيّد الموقف، وستبقى الانطلاقة الاقتصادية صعبة المنال، لهذا نقول أن الكرة اليوم هي في مرمى الماليّين الذين عليهم أن يلتزموا ببنود اتفاق السلم والمصالحة لتجاوز المرحلة الصعبة التي يعيشونها، وأن يتلقّفوا يد الجزائر الممدودة التي جدّدت التزامها باعتبارها على رأس الوساطة الدولية ورئيسة لجنة متابعة اتفاق السلم، بمواصلة مرافقة مالي في هذا المسار حتى نجاحه، كما رافقته في الصائفة الماضية لتجاوز تداعيات الانقلاب العسكري وساعدته على إقرار سلطة انتقالية تقود البلاد لمدة 18 شهرا الى حين تنظيم انتخابات واختيار قيادة جديدة.