د. أسامة بوشماخ المختص في العلوم السياسية لـ «الشعب»:
المخزن لا يحسن قراءة التاريخ في توظيفه الممارسات السابقة
اعتبر الدكتور أسامة بوشماخ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة «تيسمسيلت»، أنّ «نظام المخزن، لا يحسن قراءة التاريخ في توظيفه لنفس الممارسات السابقة التي لا يجني من ورائها إلا الإرهاق، نتيجة حرب الاستنزاف والمقاومة الشديدة التي سيتلقاها من جنود البوليساريو، في وقت يعاني فيه المغرب من أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة، تضع البلد على فوهة بركان…».
وأماط الدكتور «بوشماخ» في تصريح لـ»الشعب»، اللثام عن عدّة حقائق ومعطيات مهمّة، أكّد من خلالها «محاولات استغلال القضية الصحراوية في خدمة المشاريع الصهيونية بالمنطقة، بعد صفقة القرن التي أقرها ترامب السنة الماضية ضمن سلسلة تطبيع الدول العربية مع الكيان الصهيوني..» وهذا نص الحوار كاملا…
-الشعب: يعود المخزن إلى نفس الممارسات في مرحلة حساسة تثقل الجسد العربي، ما هي قراءتك للوضع ومآلاته؟
الدكتور أسامة بوشماخ: تشابهت الظروف والفاعلين واختلفت الأزمنة، كأن المخزن لا يحسن قراءة التاريخ في توظيفه لنفس الممارسات السابقة التي ستزيد من إرهاقه في الصحراء الغربية، نتيجة حرب الاستنزاف والمقاومة الشديدة التي سيتلقاها من جنود البوليساريو.
وسنحاول في هذه الأسطر، أن نرجع إلى التاريخ ليحدد لنا المسار الذي مازال يسير عليه المغرب وتوظيفه من قبل الكيان الصهيوني وأمريكا، خدمة لمصالح إسرائيل في المنطقة، والتحديات الداخلية التي يعيشها وأصبحت تمثّل له صداعا في مواجهتها.
شهد منتصف سنوات السبعينيات تساقط نظامين فاشيين في البرتغال وإسبانيا، اللذين لقيا دعما كبيرا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
وخوفا من فعل لعبة الدومينو وأن تمس تلك الموجة نظام المخزن المغربي، سارع كيسنجر بالسماح للعاهل الحسن الثاني بـ»المسيرة الخضراء» والتدخل في الصحراء الغربية مباشرة بعد انسحاب إسبانيا لحماية المخزن من السقوط وفقدان ثالث أقوى حلف لأمريكا في المنطقة على مستوى المغرب العربي.
أما المشرق العربي، فكانت الترتيبات قد انطلقت تمهيدا للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ابتداء من سنة 1974، ونشاط الموساد لخلق أزمات تثقل الجسد العربي، مما يسمح بتمرير المشاريع الخارجية دون أن تلقى مقاومة من الداخل. فتم إشغال العالم العربي بفتح جبهة حرب لبنان، وعليه كانت حرب لبنان ونزاع الصحراء الغربية أداتين في يد القوى الغربية والكيان الصهيوني في تمرير مشاريعهما لا غير.
وبعد مرور عقدين ونصف من الزمن يعود المغرب إلى نفس الممارسات في دخوله إلى الصحراء الغربية وبتنسيق كامل مع دول كبرى، فلا يعقل أن يتم التدخل مباشرة بعد خروج بعثة «المينورسو» هذا من جهة، وأن يمتد هذا النزاع في أروقة الأمم المتحدة طول هذه المدة، ويتزامن مع سلسلة تطبيع الدول العربية مع الكيان الصهيوني بعد صفقة القرن التي أقرها ترامب السنة الماضية من جهة أخرى.
وهكذا تعود المغرب مرة أخرى لخدمة استمرار المشاريع الصهيونية في المنطقة، وقبل ثلاثة أسابيع من فتح قنصلية الإمارات بمدينة العيون، اجتمع سرا الأمريكان والمغاربة والصهاينة في نيويورك، خرجوا بموجبه بفتح الولايات المتحدة قنصلية بالصحراء الغربية مقابل فتح المغرب سفارة له في تل أبيب وفتح إسرائيل سفارة لها بالرباط.
أزمة الشرعية والماركة السياسية والتغلغل…
– لكن هل يمكن للمغرب أن يتحمل تكلفة الحرب مع جبهة البوليساريو، على ضوء استمرار الأزمة السياسية القائمة فيه؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه عبر عديد الحقائق، نعرضها فيما يلي:
1- أزمة الشرعية (توريث العرش): يعيش القصر الملكي أزمة خانقة في كيفية انتقال الملك من محمد السادس لابنه الحسن الثالث الذي لم يبلغ السن التي تمكنه من استلام ملك والده الذي يعاني، بحسب الكثير من التقارير العالمية، مرضا يعرقل أداء مهامه بصفة عادية… ولأول مرة في تاريخها، ألغت المملكة المغربية مراسم الاحتفال السنوي بذكرى عيد العرش، التي دأب الملك محمد السادس على تنظيمها تأسّيا بأسلافه منذ اعتلائه العرش في جويلية 2000، وإن كانت الأسباب مرتبطة في ظاهرها بالوضع الصحي العام الذي فرضه فيروس كورونا (كوفيد-19)، لكنها أيضا في الواقع أسباب لا تخلو من «إحباطات» الثقة المهتزة داخل القصر الملكي وبين أفراد العائلة الحاكمة في المغرب، والمآلات غير المحمودة لسياسة حكم الملك محمد السادس المنتهجة منذ زهاء 20 سنة على رأس القصر في إرباك المنطقة وإغراقها في المشاكل، ومحاولته خلق الأزمات مع دول الجوار.
2- أزمة المشاركة السياسية: يتخبط المغرب في أزمة مشاركة سياسية عميقة، فالانتخابات التشريعية والبلدية المزمع عقدها السنة القادمة، محطة حاسمة في البلاد، مع تخوف الدولة من تدني نسبة المشاركة فيها. ويرجع ذلك إلى فقدان المواطن المغربي الثقة بالعملية السياسية، وهو ما يعيد إلى الأذهان تكرار سيناريو انتخابات 2007 ويوحي بتوجيه ضربة موجعة إلى «المسار الاصلاحي» المنتهج بعد الربيع العربي والذي ادّعى فيه المغرب أنه يمثل «الاستثناء» في المنطقة، وسيطرح علامات استفهام حول من يتحمل مسؤولية ذلك؛ فالمغرب يعيش أزمة ثقة كبيرة في العملية السياسية والانتخابية، كما في القوى السياسية المرتبطة بها.
3- أزمة تغلغل: يقصد بالتغلغل عدم قدرة الحكومات الوطنية على الوصول بتأثيراتها القرارية والرمزية والقانونية والنفعية والقهرية إلى أقصى نقطة من النسيج والمركب المجتمعي، ما يعكس وجود مقاومة من طرف فاعل مجتمعي لتأثير الدولة، أو ربما وجود رفض للانتظام ضمن إطار وقالب الدولة الذي أصبح بمعطيات اليوم واقعا لا مفر منه. فالريف المغربي شهد حراكا كبيرا، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع نسب البطالة التي يعاني منها جل الشباب الذين لا تتعدى أعمارهم 40 سنة، وأغلبهم انقطعوا عن الدراسة بسبب التسرب.
كما أن المنطقة لا تعرف رواجا اقتصاديا تفرزه مشاريع تنموية منتجة للثروة ومفرزة لفرص التنقل ومدرة للدخل، لتبقى مدن الريف مؤشرا على واقع هشاشة البنية الاقتصادية وافتقاره إلى مقومات الخدمات الاجتماعية؛ إذ لا يوجد بها مدار حضاري نشط ولا مؤسسات للتعليم العالي معتبرة ولا مستشفيات بالمواصفات اللازمة، ولا مرافق للصناعة، ناهيك عن مرافق الشباب.
4- أزمة التوزيع: يذكر مارتين ليبيست، «أن منع التوزيع العادل والمساواة بين المواطنين من الثروة، وتنتج المساواة الاقتصادية ديمقراطية فعالة، فالمجتمع منقسم إلى كتلة كبيرة فقيرة ونخبة صغيرة محتكرة يؤدي إلى الاستبداد»، وتشير التقارير أنّ ثروة الملك أكثر من 30 مليار دولار، بينما يعيش أغلبية سكان المملكة فقرا كبيرا، مع ارتفاع نسبة الزبائنية التي أضحت متفشية بين منخرطيها، بعيدا عن تبني المعايير الموضوعية التي يرضخ لها الجميع. وأصبحت المملكة المغربية تتجاهل التوزيع العادل للثروة، حيث صرح رئيس حكومتها في لقاء جمعه مع مجموعة من المثقفين والإعلاميين في إطار حلقات «صالون أدبي»، أن حكومته مثل عظم نزع منه اللحم والجلد.
– المغرب على صفيح ساخن، فما هي الآليات الكفيلة بكسب رهان القوة والشرعية؟
من كل ما سبق، فإن دخول المغرب في مواجهة جبهة البوليساريو سيؤدي إلى إرهاق نظام المخزن أكثر فأكثر، نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة جدا، وجائحة «كورونا» التي أدت إلى تراجع كبير في السياحة. مما سبق وأن أشرنا، فعلى المملكة المغربية أن تشتغل بالتنمية السياسية لكسب الشرعية والقوة، بدل البحث عنها من الخارج وذلك بدخوله في مشاريع خارجية، معتقدا أنها تضمن له البقاء والاستمرار، فالتجارب العالمية أثبتت لنا لا شرعية إلا شرعية الشعوب.