لعل أحسن تصوير لـ»محاكم التفتيش» «التطهيرية»، التي نفذّتها الكنيسة الكاثوليكية في إسبانيا القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، ضد مخالفي الكنيسة، ما جاء في مسرحية معاصرة، عندما راح المسيح نفسه ضحية للدفاع عن «المسيحية».
مع تطوّر الأحداث وتزايد المجازر باسمه، يظهر السيد المسيح عليه السلام، متعجّبا ومتحسّرا، ليقول إنه لا يوافق على ذلك، ولا أحد من الجلّادين يأبه لكلامه في البداية، وعندما يبلغ غضبه أشدّه، يتدخل أحدهم ويقول إنه باسم المسيح قرّر معاقبة السيد المسيح الذي يكون قد «خرج على طريق المسيحية الصحيحة».
إنه حال الإيديولوجيات المغلقة، التي تنطلق من تعاليم ونصوص سامية المقاصد لتنتهي إلى التزمّت والجمود وتتحول إلى «أفكار قاتلة» بتعبير بعض المفكرين، الذين انتبهوا إلى أن كارل ماركس «بريء» من الماركسية التي تحوّلت إلى «ستالينية»، وأن بوذا بريء من الجرائم المروّعة التي راح ضحيتها ملايين من مسلمي «الروهينغا» في ميانمار، مثلما أن الإسلام بريء من تصرفات «جماعات الإسلام السياسي»، التي ارتكبت كثيرا من الجرائم باسمه.
ولأن الإيديولوجيا هي داء العالم الأزلي، فإن استمرارها بأشكال وعنوانين مختلفة، هو استمرار لكل المصائب التي حلّت بهذا الكوكب، وأن نهايتها ليست غدا مثلما توقّع بعض المفكرين الحالمين.
ويبدو أن الانتخابات الأمريكية الأخيرة، ليست مجرّد انتخابات، فالرئيس المنتهية عهدته دونالد ترامب، الذي كانت فترة حكمه عنوانا للعجرفة والدوس على القوانين وممارسة السياسة على طريقة تجّار الرقيق والنخّاسين، وإن خسر الانتخابات وفي طريقه إلى الخروج من البيت الأبيض.. سيتحوّل «فكره»، وهو الذي قيل إن قاموسه اللغوي لا يتجاوز 77 كلمة، إلى «إيديولوجيا» قاتلة متناغمة مع «نظام التفاهة» بتعبير ألان دونو.
ولئن كانت الإيديولوجيات السابقة انطلقت من نماذج سامية، وكانت نهايتها القتل باسمها، فإن «الترامبية» انطلقت من نموذج سيء، وستقود العالم إلى الأسوإ.
لقد خسر ترامب المعركة الانتخابية، لكن خسارته هي إعلان ميلاد «الترامبية» التي يبدو أن حربها ستطول ظل كل قيم الإنسانية والحرية التي نادى بها وضحى من أجلها الكثير من أصحاب النوايا والأفعال الحسنة.