دوما توجّه أصابع الاتهام إلى منظومة صناعة الأسلحة ومن يقف وراءها في تأجيج بؤر الحروب واختلاق الأزمات الحادة، فصانع السلاح وحده من يساهم في اتساع حجم هذه السوق الرمادية، التي تؤدي طريقها المزدوجة إلى موت ودمار الضعفاء، بينما توسع من ثروة الأغنياء المتحكمين في نشرها، لأنها لم تكن يوما أداة فعلية لحماية البشر، بل حيثما توجد يخيم الرعب وتشتعل ألسنة اللهب التي تخرب كل شيء حي وجميل على وجه الأرض.
القوي من يمتلك السلاح، والقوي من يتحكم في الثروة ومصائر البشر، لذا من البديهي أننا نجد هذه الفئة وراء تطور النزاعات واستيقاظ الحروب من تحت الرماد، فكلما انتهت حرب تشتعل في منطقة أخرى شرارة حرب أشد فتكا من سابقتها، وكلما قتل الأبرياء، يجني التجار الصغار كما الكبار ثروة طائلة تصل إلى المليارات من الدولارات وهناك من يقدرها بـ 60 مليار سنويا، في وقت تقدر فيه تكلفة اقتناء الأسلحة في العالم تريليون دولار سنويا، وهذا ما يرفع هذه التجارة إلى السلعة الأكثر تداولا وفي الصدارة، متفوقة على تجارة المخدرات التي تحتل المركز الثاني.
بائعو الدمار لديهم أذرع طويلة تتوغل في كل مكان وتصل إلى دوائر صنع القرار السياسي، وإن كانت الدول النامية الأكثر إقبالا على شراء الأسلحة، نجد منطقة الشرق الأوسط التي لم يصمت فيها صوت الحرب ولم يخفت النزاع لمدة خمسة عقود كاملة، تبدو من المناطق التي تلتهم كميات معتبرة من هذه السلع الخطيرة وتعد بيئة خصبة لتدفقها، والحروب التي تدور رحاها بسبب الربيع العربي، مازالت طيلة عقد من الزمن تلتهم الأخضر واليابس ولم تنفع معها أية جهود تسوية لإحلال السلام.
يبقى كارتل صناع الأسلحة، المسؤول الأول عن تصعيد التهديدات الأمنية على اليابسة، وحيثما تتوفر الثروات ويسود التخلف والجهل، تتسارع جهود تغذية الخلافات، وسوق الأسلحة السوداء لا تقل فتكا عن نظيرتها المنظمة حيث كانت الممول الأول لتنظيم داعش الإرهابي، وكان الأحرى بمنظمات حقوق الإنسان التي دوما تتشدق بانتقاداتها للحكومات حول احترام هوامش حرية التعبير وحقوق السجناء، أن تقف بالمرصاد إلى من يقف وراء صناعة الموت، وتندد بكارتل الموت قبل الخوض في مسائل أخرى.