بعد أشهر «سوداء» طويلة أتت على كثير من المهن ودمّرت القدرة الشرائية للناس وتسبّبت في هلاك الآلاف من الناس، جاءت «الجمعة السوداء» التي حملتها إلينا العولمة، التي انتظرها كثير من الناس في سبيل الحصول على سلع بـ»أبخس الأثمان» أو هكذا صوّرت لهم الدعاية وصدّقوها.
كان يوما غير عادي، توافد فيه الكثير على المساحات التجارية، اختلط عندها الحابل بالنابل، بدون أي التزام بـ»البروتوكول الصحي»، وبعضهم كان ينادي بغلق المدارس لأنها تتسبب –حسبه- في انتقال فيروس كورونا.
وبعد رحلة كرّ وفر فاز من فاز بالسلعة المطلوبة وعاد البعض الآخر إلى بيته يجرّ أذيال الخيبة، لكن ما لا يعرفه كثيرون أن الأمر يتعلق بحيلة تجارية يلجأ إليها بعض أصحاب المحلات والمساحات التجارية، من أجل التخلص من سلع مكدّسة، بأن يضعوا أسعارا مرتفعة على السلّع ويصّوروا للمشتري أنه حصل عليها بعد تخفيض كبير.
هو اليوم الذي قيل إن فكرته جاءت في أعقاب أزمة مالية كبرى ضربت الولايات المتحدة خلال القرن التاسع عشر عندما عمد مضاربان إلى شراء كل ذهب أمريكا، وعندما انكشفت الحيلة انهارت البورصة وأفلس الكثير، وأصبح التجاّر يحتفلون بتلك الذكرى السيئة بخفض الأسعار وهو خفض مزيّف في كثير من الحالات.
إنها رياح العولمة التي جلبت لنا كثيرا من الأعياد والاحتفالات لم نكن نسمع بها قبل سنين، حيث أصبح لا يمر يوم دون أن نسمع فيه باحتفال يقتضي شراء سلع معينة، تذهب ريوعها إلى جيوب التجّار والمضاربين، فيزداد الأثرياء ثراء ويزداد الفقراء فقرا، وهو قانون الرأسمالية المتوحشة التي يبدو أننا لم نظفر إلا بسيئاتها دون حسناتها الكثيرة.
إنها «الثمرة المُرّة»، التي تذكرّنا بحكاية الشاعر الفارسي الأصل، المكفوف بشار بن برد، الذي يقال إنه كان يعيش الفقر فينهض صباحا ملطّخا بلعاب أخته الصغرى وبول شقيقه، فيقول: «هذا من ثمرة صلة الرحم»، ويبدو أننا لم نجن من العولمة إلا اللعاب والبول أكرمكم الله.