تتناقل وسائل الإعلام العالمية منذ الرابع نوفمبر الجاري صور آلاف الإثيوبيين وهم يفرّون من منطقة التوتّر الجديدة بإقليم تيغراي في اتجاه السودان، مشكّلين صفوفا طويلة من الأجساد المتعبة والمرعوبة التي وجدت نفسها مرغمة على النزوح من ديارها وبداية رحلة مريرة مع التشرّد واللجوء.
صور تعساء إقليم تيغراي الفارّين بجلودهم من صراع عرقي وسياسي بدأ يكبر ككرة اللّهب، مهدّدا بحرق استقرار إثيوبيا وأمن القرن الإفريقي برمّته، أعادت إلى الأذهان صور الأمواج البشرية التي نزحت من سوريا قبل سنوات مشكّلة أزمة إنسانية لم يشهدها التاريخ منذ الحرب العالمية الثانية، حيث وجد ملايين السوريين أنفسهم في قلب نزاع دمويّ استبيح فيه حتى استعمال السّلاح الكيماوي ما دفعهم إلى المغادرة، فمنهم من لجأ إلى البلدان المجاورة التي فتحت أبوابها لاستقبالهم برغم ظروفها الصّعبة والحمل الثقيل الذي يشكلونه، ومنهم من ركب أمواج المتوسط ومخاطره للوصول إلى الضفة الأخرى.
أظن أنّ أحدا لن ينسى جثة الرضيع إيلان وهي تطفو على الماء، ولا صور جموع الهاربين من جحيم «الربيع العربي»، وهم يتعرضون للمطاردة والإساءة و»يحتجزون» في مخيمات هي أشبه بالمحتشدات والمعتقلات، ولا كيف كانت الدول الأوروبية تتقاذفهم فيما بينها رافضة استقبالهم أو تمويل البرامج الأممية المخصّصة لتغطية احتياجاتهم الإنسانية الطارئة.
ما يعيشه سكان تيغراي والإثيوبيين عموما منذ ما يقارب الشهر، هو ذاته ما قاساه شعب سوريا والعراق وما يتكبّده اللّيبيون وأهل الساحل الإفريقي، حيث تحول النزوح واللجوء إلى شرّ لا بدّ منه بعد أن جعلت المجموعات الإرهابية العنف رغيفهم اليومي.
وإذا كنّا اليوم نقف عند المشاهد الدراماتيكية لجموع الهائمين على وجوههم بحثا عن الأمن والأمان في السودان، فلكي نشير إلى أن المدنيين هم دائما من يدفع الفاتورة الأغلى لأيّ صراع أو نزاع، إنهم باختصار من يأكل الحصرم، وهذا الأمر يجب أن يتوقف، وليبحث اللاّهثون وراء السلطة ومزاياها حلبة شاغرة ليتقاتلوا فيها.