المتعارف عليه في التقاليد الدبلوماسية إرساء دعائم التهدئة في حالة التوتر بين أطراف معينة، والسعي لإيجاد مخرج للأزمات السياسية وفق منظور يحترم الإرادة الشعبية أولا وقبل كل شيء مهما كانت طموحاتها، ضد أو مع طرف آخر. لكن مع اندلاع التوتر بين المغرب وجبهة البوليساريو في 13 نوفمبر الجاري بعد سقوط اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين الطرفين في 6 سبتمبر 1991، تعمل قوى دولية على تغيير مفهوم الأعراف الدبلوماسية أثناء الأزمات بشكل ينافي تماما الإرادة الشعبية، وإن كانت أقلية حسب رأي الحكماء.
قبل بداية التوتر أو الحرب بين المغرب والبوليساريو منذ أسبوعين، فتحت دولة الإمارات قنصلية بمدينة العيون المحتلة، وهو ما بدا آنذاك القطرة التي أفاضت الكأس وزادت من حدة احتقان الشعب الصحراوي، الذي أكدت الأمم المتحدة حقه في تقرير المصير، بموجب اتفاق ثنائي تم من خلاله التوقيع على وقف إطلاق النار منذ ثلاثة عقود، لكن عودة الحرب التي لا يزال كثيرون يشككون في وقائعها رغم بلاغات البوليساريو اليومية، ستكون نتائجها وخيمة على المنطقة بأكملها وقد تحرك الرمال الجامدة في المنطقة المغاربية تزامنا مع وجود مؤشرات تنامي أطماع القوى الغربية الكبرى تحت مسميات مختلفة.
ما يزيد الطين بلة في التوتر الذي دخل أسبوعه الثالث بين البوليساريو والمملكة المغربية هرولة بعض الدول العربية إلى فتح قنصليات لها بمدينة العيون المحتلة في الصحراء الغربية، وهو ما تراه الرباط دعما لسياستها في حماية الوحدة الترابية – كما تزعم- في هذا الوقت العصيب. غير أن البوليساريو تراه عكس ذلك تماما، وتقول إنه انتهاك للشرعية الدولية في وضح النهار، لاسيما بعد إعلان دولة عربية ثالثة استعدادها لفتح قنصلية بالعيون.
من المؤكد أن قرار فتح قنصليات في مناطق متنازع عليها دوليا، هو دعم للحرب بشكل غير مباشر، لاسيما أن بلدان القنصليات بالعيون المحتلة لها ارتباط بدول راعية للتطبيع مع الكيان الصهويني، الأمر الذي بات يعيد المنطقة المغاربية الحالمة بإتحادها، والتئام جراحها إلى نقطة الصفر بصب الزيت على النار، بدل تهدئة جيران جمعتهم الجغرافيا واللغة والدين، وفرقتهم سياسات استعمارية توسعية قديمة جديدة.